الذكرى 47 لحرب تشرين /اكتوبر 1973
11 أكتوبر , 2020
اللواء الطيار الركن دكتور
علوان حسون العبوسي
8 / 10 / 2020
اعتدت في كل عام استذكار ماجرى في حرب تشرين / اكتوبر 1973 (العاشر من رمضان ) ، كونها ذكرى عزيزة على قلوب كل عربي شريف ينشد طرد العدو الصهيوني المغتصب لارض فلسطين .
كنت برتبة نقيب طيار سبق ان انهيت دورة قادة التشكيلات المقاتلة ( FLS) ، ثم رشحت الى دورة آمري الرفوف المؤجلة في جناح الدورات الجوية – بقاعدة الرشيد الجوية ، وقد استبشرت بها كوني ساقضي فترة شهرين بقرب عائلتي ، وهذه الدورات تعتبر متنفس للضابط يتلقى بها علوم تعبوية واساليب التعاون مع باقي القوات المسلحة ناهيك عن اخذ قسط من الراحة مع عائلته في بغداد ، بعد قضاء سبعة ايام من الدورة وفي يوم 6 اكتوبر وبينما كنت مع عائلتي اتجول بسيارتي الشوفرليت (موديل 1967) قبل الافطار لشراء بعض الاحتياجات ، وفي الساعة الخامسة مساء قطع راديوا بغداد برامجه الاعتيادية ليعلن خبر هجوم القوات المسلحة المصرية والسورية ضد قوات الكيان الصهيوني في سيناء والجولان ، ابتسمت وقلت لزوجتي ام احمد اعتبري ان الدورة قد انتهت بعد هذا الخبر واكيد سيتم اعادتنا الى اسرابنا للمساهمة مع القوات السورية لتحرير الجولان او اية اهداف اخرى حيث العراق ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ، بعد الافطار اعلنت القيادة السياسية العراقية قرار اشتراك العراق بهذه الحرب وتم الايعاز الى السربين التاسع والحادي عشر ميج 21 ( متصديات ) بالتحرك الى سوريا صباح يوم 7 اكتوبر وتهيئ الاسراب الاول والخامس والثامن والسابع للحركة يوم 8 اكتوبر في ذات الوقت الايعاز للفرقتين الثالثة والسادسة المدرعة وقوات اخرى للحركة مباشرة الى سوريا .
صباح يوم 7 اكتوبر التحقت الى جناح الدورات الجوية في قاعدة الرشيد الجوية ، حيث تم الايعاز للجناح بالحاق كافة الضباط الى وحداتهم فورا ،(كان في الجناح دورتان لامري الرفوف والاخرى لامري الاسراب ) ، استلمت كتاب التحاقي الى السرب الخامس / سوخوي 7 في كركوك ، ولحسن الحظ كان في دورة امري الاسراب الرائد الطيار موفق سعيد عبد النعيمي (رحمه الله ) امر السرب الثامن في كركوك ولديه سيارة ممكن استصحابي معه الى كركوك وقد رحب بي بعد ان طرحت له هذه الفكرة وفي هذه الاثناء تداخل معنا الرائد الطيار يوسف محمد يوسف (طيار سمتيات) في جناح طيران الجيش الاول في K1 ، وقررنا التحرك الى كركوك بعد توديع عوائلنا ثم تواعدنا ان نلتقي قرب ملعب الشعب الدولي في زيونة والانطلاق الى كركوك ، ودعت عائلتي بعد نقلها من داري المستاجرة في زيونة الى بيت عمي المرحوم عبد المجيد العبوسي في الكرادة الشرقية ، هنا كان لي موقف المني وكما هو كل مرة اثناء انتهاء اجازتي الدورية وهو ابني احمد( 3 سنوات) يطالبني استصحابه معي الى حيث اكون وكذلك بكاء بنتي فرح ( سنة واحدة ) وباحتيال كما يحصل كل مرة قلت لهم ساعود قريبا وااخذكم معي وهكذا كانت حياتنا بالقوات الجوية لحين وصولي الى رتبة لواء حيث استقر بي الحال في قيادة القوة الجوية ببغداد ، المهم عدت الى داري في زيونة بعد توديعهم لايواء سيارتي في كراج الدار والانطلاق للموعد مع الاخ موفق سعيد بملعب الشعب ، في هذه الاثناء التقاني العقيد الطيار خالد سارة ( مدير التدريب الجوي )الساكن امام داري وقال اين سيكون التحاقك ، اجبته في السرب الخامس بكركوك عندها تمنى لي التوفيق والنجاح في طرد الكيان الصهيوني من الجولان وقال بالحرف الواحد (كم كنت اتمنى المساهمة معكم فهذا شرف لي ولعائلتي ولي ثار مع طياري الكيان الصهيوني بعد محاولتهم اسقاط طائرتي في يوم 7 حزيران 67 ، قلت له سيدي سناخذ بثارك ان شاء الله فنحن تربيتكم ولا ننسى فظلكم علينا سواء بالتدريب او بشحذ المبادئ الوطنية فينا اجابني وقد اغرورقت عينه بالدموع الخفية دلاله على حبه واخلاصه للوطن ).
في الموعد المحدد التقيت كلا من الرائد الطيار موفق سعيد ( من الدورة العاشرة للقوة الجوية )والرائد الطيار يوسف محد يوسف (من الدورة 12 للقوة الجوية ) وانطلقنا بسيارة الاخ موفق الشوفرليت ( موديل 59 ، التي اشتراها من الاخ خلدون خطاب بمبلغ 900 دينار وبالتقسيط يدفع 25 دينار كل شهر ) ، اخذتنا الاحاديث بذكريات الاخ موفق سعيد عندما كنا دورة على الطائرة سوخوي /7 في السرب الاول عام 1967 في الاتحاد السوفيتي وكيف كان هذا الرجل محور الدورة في الترجمة ودليل ممتازلكل منا في كافة امور الغربة لمعرفته بها اثناء دورته الاولى في هذا البلد عام 1962 ، ثم اخذنا الحديث عندما كنا في السرب ذاته في قاعدة الوليد الجوية عام 1969- 1971ذكرته بالطيران الليلي وكيف كان الرجل يطبخ لنا وجبة العشاء في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عند انتهاء الطيران الليلي وقضاء اوقات جميلة رغم قساوة الحياة في هذه القاعدة المعزولة عن حياة المدينة .
وصلنا كركوك مساءً وهناك كانت القاعدة تعج بالضباط والفنيين لتهيئة الطائرات للانطلاق بها الى سوريا صباح يوم 8 اكتوبر حسب امر القيادة السياسية .
التقيت بالاخ المقدم الطيار صباح صالح والرائد الطيار سالم سلطان البصو امر السرب الخامس والاخ العزيز الرائد الطيار حازم حسن معاون امر السرب وباقي ضباط السرب ، وقد تم تقسيم الطيران الى تشكيلات ،كل تشكيل من اربع طائرات على شكل رفوف ، الانطلاق يتم من كركوك باتجاه قاعدة الوليد الجوية وهناك يتم الهبوط والتزود بالوقود ثم الانطلاق الى سوريا بنفس التشكيلات السابقة والهبوط في مطار بلي السوري (جنوب دمشق 30 كلم تقريباً) الذي حدد للسرب الخامس (حيث حدد لكل سرب مطار خاص به مثلا السرب الاول مطار دمشق والسرب الثامن مطار الضمير والسربان التاسع والحادي عشر مطار سيكال والناصرة ).
في الساعة 0900 يوم 8 اكتوبر 1973 حضر الاخ الرائد هشام عطا عجاج وهو يحمل خطة تنقل اسراب القوة الجوية الى سوريا وشرح لنا في غرفة الايجاز تسلسل طلعات الاسراب الاول والخامس والثامن الى سوريا .
لااستطيع شرح الفرح والسرورلكافة الطيارين وهم يتنقلون الى سوريا لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لارض العروبة في فلسطين العربية وقد طال الانتظار والكيان يصول ويجول بخبث في الوطن العربي في انتهاز الفرصة كي ينقض على اي تواطئ يشعر به تجاه هذا الوطن .
في الساعة 1000 اصطفت طائرات السرب الخامس تشكيل بعد تشكيل ، انطلق امر السرب ومعه ثلاث طيارين وبعده الاخ الرائد حازم وثم انا ومعي كلا من الملازم الاول الطيار محمد عبد المحسن السعدون والملازم الاول الطيار حسن عبيد والملازم الاول الطيار شامل صالح ،هكذا كان الجو جميل ومدى الرؤيا اكثر من 10 كلم ، تسلقت التشكيلات الى 6000 متر (حوالي 20000 قدم ) باتجاه حديثة ، ومن بعدها انحدار بطيئ الى 100 متر لحين الوصول الى قاعدة الوليد الجوية .
في قاعدة الوليد الجوية ( H3) كان السرب الاول قد سبقنا اليها وقد ازدحم المطار بالطائرات عليه كانت الافضلية لمن سبق التشكيلات الاخرى وهكذا هبط تشكيلنا بعد انتظار طويل نسبياً حيث التقينا بافراد السرب الاول الاحبة على قلبي على راسهم الاخ خلدون خطاب وسلام محمود ايوب وهشام بربوتي وعصام جانكير ورضا جميل واخرين لاتحضرني اسمائهم الان حيث شاركنا بتدريبهم بعد التحاقهم للسرب الاول في قاعدة الوليد وقاعدة ابي عبيدة ابن الجراح ( الكوت) ، التقينا السيد امر القاعدة العقيد الطيار زهير القيسي وكان مشغول بتنسيق الطيران الذاهب الى سوريا بالاضافة الى اعداد وجبات طعام سريعة والجميع متحسب لضربة جوية اسرائيلية لمنع اشراكنا بهذه الحرب وتعتبر ضربته هذه ان حصلت هدف دسم لحوالي 40 طائرة سوخوي وعدد من طائرات النقل من الانواع AN24 ، AN12 ، لم يبقى سوى طائرات السرب الثامن عليه طالبنا امر القاعدة بسرعة الطيران الى سوريا بعد تجهيز الطائرات للطيران .
في الساعة 1400 انطلقت تشكيلات السرب الاول ومن بعدها بحوالي ساعة تقريبا انطلقت تشكيلات السرب الخامس بايعاز من الحركات الجوية السورية التي تواجد بها كلا من العقيد الطيار الركن محمد جسام الجبوري والمقدم الطيار الركن نجدت النقيب .
انطلق تشكيلي بنفس المجموعة السابقة واضيف لها طيار اخر واصبح التشكيل من خمس طائرات توجهنا الى سوريا بدون تعيين للمطار الذي سنهبط فيه رغم اعلامنا مسبقا وهو مطار ( بلي) ولكن للاحتياط قد يكون المطار قصف من قبل الطيران الاسرائيلي ، كان الطيران بتشكيلات صحراوية منفتحه بارتفاع واطي جدا ( 50 م ) واقل كلما اقتربنا من ساحة الحركات ، قبل وصولنا سوريا نادى المقدم الطيار الركن نجدت النقيب لتشكيلات السرب الخامس وحدد بشكل نهائي مطار النزول وهو مطار ( بلي العسكري) ، كان الجو مغبر ومدى الرؤيا لاتتجاوز 3 كلم وبصعوبة شاهدنا مدرج المطار، وباسرع مايمكن هبطت طائرات التشكيل بسلام وقد سبقنا بالنزول كلا من تشكيل امر السرب ومعاونه وتشكيل المقدم صباح صالح ومن بعدنا هبطت باقي طائرات السرب بسلام ، وللعلم كانت طائرات السرب التاسع ميج 21 التي سبقتنا الى سوريا تؤمن لنا الحماية الجوية اثناء النزول .
بعد هبوط تشكيلنا في مطار بلي العسكري التقينا بالنقيب الطيار السوري عبد الكريم ( احد طياري الميج 17 )وكان عائد من طلعة جوية ضد ارتال اسرائيلية في الجولان وقد فقد احد افراد تشكيله من قبل الدفاعات الجوية الاسرائيلية موضحا لنا بان الموقف قد تغير عما كان عليه يوم امس حيث تمكنت القوات السورية استعادة الجولان بالكامل ولكن نقص القوات البرية وضعف الاسناد الجوي لها مكن العدو من استعادة مواقعه التي فقدها في اليومين السابقين ، وقد اشاد بقدوم طائراتنا وقواتنا البرية لاسناد الحركات ضد الكيان الصهيوني .
في المساء التقينا بالاخ امر القاعدة والرائد الطيار العراقي سمير زينل (الذي اسقط احدى الطائرات التي هاجمت قاعدة الوليد الجوية يوم 7 حزيران 1967 وهو يشغل الان امر احد اسراب الميج 17 السورية حيث هاجر الى سوريا لاغراض سياسية حينها ) ، وقد رحبوا بنا اشد الترحيب واوجزونا بالموقف العام بتقدم القوات السورية واستعادة الجولان المحتل ولكن بدء العدو يضغط مما ادى الى انسحاب بعض التشكيلات المدرعة واوضحوا ان وصول القوات العراقية قد يعزز الانتصار بصورة افضل ، ثم زودونا بخرائط مجسمة لدراستها ريثما نتمكن من التعرف على الجبهة دون استطلاعها جواً ، وكذلك اوجزونا عن التعامل مع الدفاع الجوي لاهميته تجنباً لعدم حصول تداخل بين طائراتنا والطائرات السورية ، وقد اوضح الرائد سمير زينل انتشار الدفاعات الجوية الاسرائيلية محذرا استهدافها لطائراتنا كما حصل مع الطيران السوري .
قام السوريون تجهيز عشاء بالنكهة السورية ( فلافل وحمص بالطحينة مع فول ومتبل مع الخبز الساخن ) ثم قضينا معظم الليل نتفحص الخرائط دون علمنا بموقف القطعات السورية الحالي وقد طلبنا من القيادة العراقية القيام بطلعات تعريفية بسيطة لكن السوريون رفضوا ذلك لتعقد الموقف الجوي العام واعتقد هذا حقهم في ذلك ، عليه كان من الافضل استدعائنا قبل بدء الحركات العسكرية للتعرف على اساليب العمل مع الكيان الصهيوني كما فعلت مصر باستضافة الطيران العراقيي قبل حوالي ستة اشهر لحين المباشرة بالحركات الفعلية وهذا هو الصحيح ولكن وكما يبدوا ان السوريين لديهم موقف غير ايجابي من النظام السياسي العراقي وهذا من كبائر الاخطاء التي ترتكبها سوريا ضد شعبها العربي المناضل ، فعند اندلاء القتال يوم 6 اكتوبر فورا وافقت سوريا على مساهمة القوات العراقية باسرع مايمكن وهذا موقف ليس سهلا كما يتصوره البعض ، ولكن بعزيمة الرجال وصدق المبادئ التي يحملها العراق تجاه قضايا امتنا العربية سارع بارسال قواته الجوية وحوالي ثلاث فرق عسكرية تنقلت براً في طريقها الى سوريا اخذ منها وقتا لحين وصولها واشتراكها بالقتال فورا دون استطلاعات او دراسة لواقع الحال مع العدو الصهيوني ، وهذا يعتبر ضربا من البطولة ان تتحرك القوات من السكون الى الحركة والاشتباك تسبب عنه الكثير من الشهداء والخسائر بالمعدات .
في اليوم الثاني لوصولنا 9/10/1973 وكان الموقف لايزال لصالح مصر وسوريا، ونشاط الطيران الإسرائيلي ضعيف نسبياً على الجبهة السورية، عليه يجب أن تُستغل هذه الفرصة من أجل فرض وجود الطيران السوري على جبهة الجولان، وتشتيت جهد الطيران الإسرائيلي ما بين مصر وسوريا ،، في منتصف النهار وبعد قراءة الخرائط الطبوغرافية المجسمة والتعرف بواسطتها عن طبيعة الأراضي السورية، وذلك لعدم إمكانية الطيران العام لاستطلاع المناطق والتعرف عليها ،، جرى الاتفاق أن تكون الطلعات الأولى لنا لمهام القتال بقيادة الطيارين السوريين للتعرف على المنطقة، ومنها تنفيذ بعض الواجبات القتالية بصورة فعلية ، صدر أمر ضربة جوية بست طائرات سوخوي7 على تجمع لدبابات العدو في الجولان، على أن يقود التشكيل المقدم السوري عبد الرحمن أبو عوف ( سبق أن كان معنا في دورة على الطائرة «سوخوي7» في الاتحاد السوفييتي عام 1967، وباقي التشكيل من الطيارين العراقيين ،، تألف التشكيل من الرائد سالم سلطان البصو، وأنا النقيب الطيار علوان العبوسي، والملازم الاول الطيار فيصل حبو شعيب، والملازم الاول الأول الطيار عماد لفتة، والملازم الطيارمحمد ألسعدون ، تمت عملية التشغيل بصمت لاسلكي تام باستخدام الإشارات فقط، وأحياناً الكلمات الجفرية التي اتفق عليها ( عبارة عن قائمة من الكلمات مع أعضاء التشكيل ومع الدفاع الجوي ) ، أقلع التشكيل كما يلي ، المقدم الطيار عبد الرحمن ومعه الملازم الأول الطيار عماد لفتة، والنقيب الطيار علوان حسون، ومعي الملازم الأول الطيار فيصل حبو شعيب، والرائد الطيار سالم سلطان البصو، ومعه الملازم الأول الطيار محمد السعدون ، ( نوع الحمولة 4 x 500 مظلية، وبعض الطائرات 4 x 500 عنقودية ) ، كان الإقلاع على شكل تشكيل ثنائي مفتوح ، بعد الإقلاع ورفع العجلات بصورة غير طبيعية ( دفع الطائرة الى الأمام وزيادة السرعة بشكل مباشر، والبقاء على ارتفاع 20 متر، بعد الإقلاع ظهرت أمامنا وإلى الخلف طائرات التصدي (ميج 21 ) المرافقة لنا كحماية ضد المتصديات الاسرائيلية، وهي تشعرنا بالأمان من التهديد الجوي ولو بنسبة مقبولة ، لم يمضي وقت طويل حتى أصبحنا ضمن الحدود الإسرائيلية ( (المقصود هنا الحدود بعد عام 1967 )، عندها انفصلت عنا المتصديات السورية ، وبدأت أسلحة الدفاع الجوي الإسرائيلية تنهال علينا بشكل لا يصدق لم نعتد عليه سابقاً، فهذه هي إسرائيل والحل الأنسب لمواجهة ذلك هو البقاء على ارتفاع واطي وسرعة عاليه 900 كلم / ساعة، والمناورة إذا اقتضـى الأمر عند توفر الوقت لذلك، ولكن الوقت الى الهدف لم يستغرق سوى 15 دقيقة، عليه استقر التشكيل على شكل تشكيل صحراوي مفتوح ،، قبل الهدف لمحت هبة دخان لصاروخ أرض – جو من جهة اليمين متوجه نحوي، وبسرعة دفعت عصا القيادة الى الأمام ولم يكن لدي سوى أمتار قليلة كادت طائرتي تصطدم بالأرض ( «حوالي 5 متر )»، عندها لاحظت مروره بأعلى طائرتي بأمتار قليلة ثم انفجر في الأعلى محدثاً اهتزاز شديداً بطائرتي، ولكن الحمد لله لم تصب بأذى نتيجة السرعة العالية، التي تجاوزت منطقة الانفجار ، دقائق وأصبحنا قرب الهدف ، نادى قائد التشكيل ( الهدف في الساعة 1100 يسار أجابه الجميع بضغط عتلة زر الراديو دلالة على الاتصال بالهدف بالرؤيا ( الهدف عبارة عن دروع متخندقة داخل ملاجىء عديدة محصنة وأخرى خارج الملاجىء جاهزة للحركة )، سحب شديد الى الأعلى بفواصل زمنيه 2 ثانية بين طائرة وأخرى ثم الانقضاض بدرجة 10 – 15ْ ، وإلقاء القنابر، والانسحاب خارج منطقة الهدف باستخدام الحارق الخلفي، وزيادة السرعة الى 1100 كلم / ساعة بارتفاع 10 -15 متر ،، نادى قائد التشكيل بإيعاز لتفرق التشكيل، والعودة الى القاعدة، كل طائرتين على حدة، وما هي إلا دقائق معدودة حتى وصلنا القاعدة، وهبط تشكيلنا بشكل فردي، وأدخلنا الملاجىء بسرعة لتوقع ضربة جوية معادية ضد قاعدتنا ، كان الوقت المستغرق حوالي 35 دقيقة ، استقبلنا المقدم الطيار صباح صالح وباقي الطيارين بالأحضان مهنئين بسلامة الوصول ، تم إشعار السرب أن الإصابات كانت مؤثرة جداً ( من الأمور التي أفتخر بها موقف المقدم الطيار صباح صالح، هذا الرجل كانت عيناه تدمعان فرحاً بعد كل عودة من واجب، تنطق عمّا في دواخله من حب وتقدير لنا، سواء بعد التنفيذ أو قبله، شجاعته تنعكس علينا جميعاً ولا يبالي الموت يشجع الجميع على الطيران، ولا أنسـى كلامه لنا هذا يومكم يا أبطال ،، وقد قام هذا البطل بتنفيذ مهمة ومعه أحد الطيارين السوريين إلا أن القيادة الجوية السورية أعادت التشكيل بعد إقلاعه لشعورها أن هناك تهديد من المتصديات الإسرائيلية فوق الهدف، وعند نزوله من الطائرة انزعج جداً وقال أنا روحي ليست أعزّ من باقي الطيارين لماذا أعادونا ولم ننفذ الواجب، وكان يعتقد أن هناك تعمداً في إعادة تشكيله، ولكن فعلا كان هناك العديد من المتصديات الاسرائيلية فوق الهدف المكلّف به ،.
كان هذا الرجل كتلة متقدة من الحماس الوطني، وهكذا هو دائماً رغم كبر سنه ،، كان عبارة عن صورة حية حقيقية مشرفة للطيار العراقي الأصيل ، هو من الدورة الخامسة في القوة الجوية العراقية عندما تنظر إليه تزداد حماساً، وترخص روحك فداءً للوطن والأمة العربية المجيدة، كنا نقول له نحن نطير بدلاً عنك سيدي لكنه لايقبل ذلك ويكرر القول روحي ليست أعز منكم يا أبطال ،، هو يعتقد أنه من واجب من له القدرة على الطيران أن يطير، حتى لو كان القائد المسؤول إذا تطلب الأمر ذلك، دون اعتبار للعمر والرتبة رغم عدم مطالبة القيادة له بالطيران، وهذا مبدأ صحيح تعلمناه منه وعلمناه لاحقاً لطياري الهجوم الأرضي الأبطال ، كنا نراقبه في غرفة العمليات وهو يتابع طيراننا دقيقة بدقيقة لحين عودتنا وعندما نعود يكون أول مستقبلينا بالأحضان.
استنتاج
من خلال طيراننا للطلعات الأولى سواء في قاعدة (بلي) أو (مطار دمشق الدولي) ظهر لنا ضعف استعداد الطيران السوري للمعركة التي من المفروض أنهم استعدوا لها منذ زمن طويل، على ما يبدوا لأسباب عديدة منها ، عدم معرفتهم بتكتيكات الطيران التعبوية المطلوبة لمواجهة القوة الجوية الاسرائيلية، وكان من المفروض تعريفهم على ذلك بسبب قربهم من إسرائيل، واختيار الأساليب المناسبة للمواجهة سواء كطائرات هجوم أرضي أو متصديات.
لقد تسبب ذلك بكثرة خسائرهم بالطائرات لأهداف لا تتناسب وعمل القوة الجوية مثل أسلوب الطيران والمناورة، أثناء التقرب الى الهدف ، في الحقيقة كنا عون لهم بذلك فقد بذلنا جهداً موضحين بعض هذه التكتيكات أثناء الملاحة الى الهدف وأثناء الهجوم والانسحاب، وقد أجابونا ليس السبب نحن كطيارين ولكن المفروض بالقيادات السياسية السعي بالتعاون مع باقي القوات الجوية العربية للتعرف عن كثب معها، وتبادل الخبرات في هذا الصدد، وهذا جداً صحيح. ،
من الأمور الأخرى هي الطيران دون إيجاز لإيضاح بعض الأمور المهمة في الطيران في حالة القذف أو الأسر ،، التخطيط للضربات غير مجدي فالخرائط معدة سلفاً، وموضوع عليها الأهداف وكل خارطة تحوي 5 – 10 أهداف وطريق الذهاب والعودة، وعندما تنظر الى الخارطة لا تفهم منها شـيء، وهي بقياس 1/1000000 مما جعلنا نقوم بعمل خرائط جديدة موضحين عليها الأسلوب المثالي للضربات الجوية، ولكل هدف على حدى وواجهنا معارضة من الدفاع الجوي، على اعتبار أنهم اختاروا ممرات ثابتة لكي لا يختلط عليهم الأمر مابين الطيران الاسرائيلي والصديق، وهذا هو اهم واجبات الدفاع الجوي ، لذلك عند الطيران كان العدو على علم مسبق بأساليب تقرب التشكيلات السورية الى أهدافها، وأي الأهداف سوف تهاجمها هذه القوة، عليه كانت إسرائيل تضع كمائن للطيارين وتتمكن من إسقاط طائراتهم بسهولة، وقد أبدت القيادة العراقية تحفظها عن هذه الأساليب التي يمكن أن أطلق عليها بالأساليب البدائية في استخدام القوة الجوية غير المتوازنة مع الطيران الإسرائيلي.
،شعرنا ونحن في غرفة الطيارين أن هناك أحد الخبراء الروس متواجد معهم يرشدهم لما يعملونه أثناء الطيران، وكانت أساليبه دفاعية أكثر منها هجومية، والطيران السوري في موقف الهجوم، عليه كنا لا نتفق معه البتة ، المهم لم يكن الوقت ملائماً للتغيير، ولكن بالقدر الذي يؤمن عودة التشكيلات سليمة على الأقل تجاه أهداف إسناد جوي قريب أو تجريد. ،
خلاصة ما توصلنا إليه أن الطيارين السوريين شجعان جداً، وقريبون من الطيارين الانتحاريين، دون داعٍ تجاه مثل هذه الأهداف ،التي ضحّت سوريا فيها بمعظم طياريها، فالشجاعة دون تخطيط هي ضرب من الجنون والفوضى غير المقبولة أو المتزنة.
أحداث يوم 10/10/1973
بعد يوم صعب من الطيران نفذ فيه الطيارون العراقيون العديد من الطلعات من كافة القواعد والمطارات المتواجدين فيها ، أبلغتنا قيادة العمليات الجوية عن احتمال قيام العدو شن ضربات جوية على كافة القواعد والمطارات السورية، صباح يوم 10/10/1973 ، لكونه قد تضرر كثيراً في الأيام السابقة بغرض إحداث التوازن الذي اختل على الجبهتين المصرية والسورية في محاولة منه لتغيير هذا التوازن لصالحه، خاصة بعد أن اكتمل حشد الاحتياط الاستراتيجي الإسرائيلي .
استيقظنا صباح هذا اليوم قبل الضياء الاول الأول(حوالي الساعة 0500)، وارتدينا ملابس الطيران، وجلست أنا وأخي الرائد الطيار حازم حسن قاسم، معاون آمر السرب في غرفتنا نتداول الحديث بمجريات أمور الطيران الصعبة، وطريقة زجّنا في هذه الحرب بهذه السرعة دون إنذار مناسب ، ولكن ما العمل وهذا هو واقع الحال حيث كان المفروض من القيادة السورية وهي أعرف بواقع حال قواتها الجوية التفكير ملياً قبل الحرب، وكما فعلت مصر على الأقل استدعاء ولو بعض الطيارين العراقيين وبعض قادة الجيش الآخرين للتعرف على ظروف عملهم، ريثما تبرز الحاجة لهم في المستقبل، وأن لا نكون بهذا الموقف المحرج فالطيار من الضروري أن يتعرف على سياقات عمل الطيران السوري، وأن يمارس معهم الطيران ولو بالحدود الدنيا، والطائرات الروسية ليست لديها القدرة على مساعدة الطيار في التعرف على هدفه دون أن يقوم هو باتخاذ كافة الإجراءات الملاحية حتى البسيطة منها، على عكس الطائرات الغربية التي تمتلكها إسرائيل ،، على أية حال ونحن في هذا النقاش وفي الساعة 0530 دوّت صافرة الإنذار معلنة قدوم غارة جوية إسرائيلية ،، خرجنا مسرعين خارج مقر السرب الحربي باتجاه الملجأ القريب المحصن جيداً وتكدس الجميع فيه ، وفي أقل من 5 دقائق من الإنذار استهدف العدو مقرّنا بصورة مباشرة وجعله ركاماً وأثراً بعد عين، ولله الحمد كان الجميع خارج المقر ولم يصب أحدٌ منا، سوى تدمير حاجياتنا الشخصية وكل ما موجود بالمقر ،، لقد ملأ الغبار الملجأ نتيجة الانفجار الشديد للقنابر، وكاد الجميع يختنق ونحن ننتظر انتهاء الغارة التي استهدفت المدرج الرئيسي للمطار، وملاجىء الطائرات، ومقرّ السرب الحربي(للطرفة في هذا الموقف كان لدى أحد الطيارين السوريين قناع وقاية ضد التلوث الكيمياوي، وبسبب كثافة الأتربة نتيجة القصف كنا نتداول هذا القناع لفترات قصيرة حتى لايصيبنا الإغماء ، ومن ثم تم تجهيزنا بهذه الأقنعة لاحقاً)»
الموقف بعد انتهاء الغارة
انفجارات شديدة للقنابر، والصواريخ الموجودة بقرب الطائرات والجاهزة للتحميل عليها، والمنتشرة هنا وهناك، بالإضافة للأسلحة الملقاة من الطائرات الاسرائيلية، حيث قام العدو بتلغيم المطار بالقنابل الموقوتة التي باتت تنفجر بين الحين والآخر، أدت الى شلّ أية حركه في المطار، استمر بقاؤنا أكثر من 3 ساعات داخل الملجأ ،، بعد ذلك تم نقلنا الى غرفة عمليات القاعدة الموجودة في عمق أحد الجبال المحيطة بها، وقد استمر بقاؤنا فيها حتى نهاية الحرب ، لقد كانت الغارة المشار إليها مؤلفة من أربع طائرات (فانتوم) وطائرتين (سكاي هوك) ، استخدمت قنابل ضد المدارج وقنابل أخرى دقيقة ضد مقرّ السرب، حيث كان مسارها من شباك التهوية الخارجي للسرب ، خسائر القاعدة ثلاث طائرات (سوخوي7)، وتدمير عدد من الملاجىء المحصنة ،.
استقر بنا المقام في غرفة العمليات المشار إليها آنفاً، ولم يتم تنفيذ أي واجب للطيران من قاعدتنا حتى يوم 13 /10 ،، مما اضطر بعض الطيارين السوريين للانتقال الى مطار دمشق الدولي للتنفيذ من هناك، بعد ان استخدموا المدرج الترابي المجاور لمدرج القاعدة الرئيسي ، فُجعنا مساء هذا اليوم باستشهاد أخي وحبيبي الملازم الاول الأول الطيار البطل سلام محمود أيوب بعد تنفيذه إحدى الطلعات قرب جسر بنات يعقوب المحاذي لبحيرة الحولة ، كما فجعنا باستشهاد كلّ من الملازمين رضا جميل وعصام جانكير والمقدم الطيار السوري عبد الرحمن أبو عوف، بعد طيرانهم من مطار دمشق الدولي إضافة الى بعض الطيارين السوريين وهي خسائر غير مقبولة، بسبب سوء الإدارة والتخطيط السوري لأهداف أقل ما توصف بالفاشلة.
في يوم 11/10/1973 بدأت طلائع القوات البريّة العراقية بالوصول الى دمشق، أولها اللواء المدرع 12 بقيادة المقدم الركن سليم شاكر الامامي ،، وقد زجت فوراً بالقتال أما باقي القوات البريّة العراقية فقد اكتملت يوم 18 /10/1973 .
استمر العدو الصهيوني بالتعرض لقاعدتنا ( بلي ) للأيام 10 ، 11، 12، منذ الصباح الباكر ولم نتمكن من الطيران لهذا السبب حيث أيقن أن الأسراب العراقية لا تزال نشطة وبإمكانها إحداث متغيرات ومفاجآت جديدة قد تؤثر على مجرى العمليات القادمة ، في هذه الأيام وبعد اشتراك القوات البرية العراقية بالمعركة، بدأ العدو هجومه الشامل على القوات البرية السورية، مما أدى الى تقهقرها من المناطق التي استرجعتها في بداية المعركة في الجولان وحتى بحيرة طبرية ، لقد كانت حالتنا النفسية محبطة بعد سماعنا الأخبار عن زحف القوات الإسرائيلية باتجاه دمشق الهدف السوقي الخطير، أما السرب السوري المتواجد معنا في (بلي) فلم يبقى منه سوى النقيب كمال عبد الله وعدد محدود من الطيارين السوريين الجدد، وعليه شددنا الأحزمة وطلبنا من مجموعة تصليح المدرج الإسراع بإعادته للطيران وفعلاً بعد ظهر هذا اليوم أصبح المدرج جاهزاً للطيران، وتم توزيع الواجبات على الطيارين وكانت حصتي مع أحد الطيارين السوريين لقصف القوات الاسرائيلية المشتبكة مع القوات السورية على محور القنيطرة – دمشق، يشترك معها اللواء المدرع 12 من الفرقة الثالثة العراقية المدرعة ،، كانت طلعتنا الأولى على المدرج الذي لم يجف تصليحه ولم أتمكن من مشاهدة قائد التشكيل بسبب الغبار إلا بعد الإقلاع حيث توجهنا للواجب المكلفين به وبعد دقائق محدودة شاهدنا الدروع الاسرائيلية وهي تتقدم على المحور المشار إليه آنفاً، وتم معالجتها بالقنابل العنقودية بإصابات مباشرة، وعدنا أدراجنا الى القاعدة والمتصديات الإسرائيلية تلاحقنا حتى وصولنا لها، إلا أن المتصديات السورية أدت دورها ببسالة في مواجهتها وثنيها عن مهمتها ، كان نزول التشكيل مساءً ، استقبلني زملائي بالترحاب على رأسهم المقدم الطيار صباح صالح، والرائد سالم سلطان، والرائد حازم حسن.. وآخرين ،، استمر طيراننا لهذا اليوم حتى غروب الشمس وكان الهدف هو إيقاف زحف القوات الإسرائيلية نحو دمشق، وقد أبدع اللواء الثاني عشر المدرع ومعه اللواء الثامن الذي وصل الجبهة بعده بيوم، ومعهم أحد أفواج القوات الخاصة بقيادة الرائد نزار الخزرجي العراقي، في تصديه لهذه القوات ومنعها من التقدم نحو دمشق .
لم يكن الموقف يبشر بالخير أبداً والقوات الاسرائيلية باتت قريبة من دمشق بعد أن دمرت القوات البرية السورية التي أبلت بلاءً حسناً في بداية الحرب ،، كنا في أشد حالات الحزن والاكتئاب ونحن نشاهد من موقعنا في قمة الجبل الذي يطل على أرض المعركة أصوات الانفجارات وتقهقر القوات السورية ، اقترحت ومعي الرائد الطيار حازم حسن قاسم على الرائد الطيار سالم سلطان البصو آمر السرب فكرة الطيران الليلي، خاصة نحن جاهزين لمثل هذه الواجبات، وفعلاً درس هذه الفكرة وطرحها على السوريين ولكن يبدو أن القاعدة غير مجهزة لهذا الغرض، وسيكون واجبنا عند تنفيذه شبه انتحاري كنت أنتظر أي أمر بهذا الخصوص طوال ليلة 13 /14 ولم ترَ عيني النوم، ولكن لم يسمح لنا بمثل هذه الطلعات الليلية، لأن المتصديات الإسرائيلية لم تتوقف عن دورياتها القتالية نهاراً وليلاً ، الموقف خطير جداً لاحتمال احتلال حتى المنطقة التي كنّا فيها من قبل العدو لقربها من منطقة العمليات البرية ،، كانت الأخبار تردنا باستشهاد عدد آخر من الطيارين العراقيين المتواجدين في مطار دمشق الدولي، ومطار الضمير، والسيكال، إذ بلغ تعداد الطيارين ممن استشهدوا 10طيارين ،، الأيام 14 ،، 15 كانت الأشد كآبةً علينا، ونحن ننظر إلى ما يجري ولا نستطيع فعل عمل مؤثر يرفع من معنوياتنا .
الخطة الجوية العراقية المقترحة
بعد زيادة نسبة الخسائر غير المقبولة بالطيارين والطائرات في مهام ليست لها تأثير مهم على سير المعارك، وتمكن العدو الإسـرائيلي استعادة كافة الأراضـي التي احتلتها القوات السورية في بداية المعركة، وليس للطيران أن يغير من هذا الواقع شيء إلا إذا تم تجاه أهداف إسـرائيلية إستراتيجية في العمق البعيد، وهذا لم تخطط له القيادة الجوية السورية وحتى المصـرية، بل اقتصـر دور القوات الجوية السورية ومن بعدها العراقية على مهام الإسناد الجوي القريب وبعض أهداف التجريد.
الإجراء الذي اتخذه القائد الجوي المقدم محمد جسام الجبوري، بعد التشاور مع هيئة ركنه المقدم نجدت النقيب، والمقدم صباح صالح، والرائد سالم البصو، والقيادة العامة للقوات المسلحة العراقية الممثلة بالفريق عبد الجبار شنشل، هو إيقاف الطيران العراقي في سوريا، ووضع خطة عمل جديدة تتضمن توجيه الضـربات الجوية لأهداف في العمق الإسـرائيلي لتخفيف الزخم عن جبهات القتال، ومهما بلغ الثمن (قواعد جوية، منشآت اقتصادية، أهداف حيوية ….إلخ)، وتم تقديم الخطة الجوية العراقية إلى القيادة العامة للقوات المسلحة السورية، لكنها لم توافق عليها لأسباب كثيرة أهمها احتمال إيقاف القتال قريباً، مما اضطر القيادة الجوية العراقية الاستمرار بالقتال على النمط السوري، وذلك لكون معظم الطيارين السوريين قد استشهدوا، وأصبح من غير المعقول تركهم وهم بهذه الحالة، (أثناء تواجدنا ضمن غرفة عمليات القاعدة التقينا بالنقيب الطيار السوري كمال عبد الله؛ وكان معاون آمر السـرب السوخوي السوري الذي فقد معظم طياريه ولم يبقى سواه وعدد قليل من الطيارين الأحداث، قال لنا لا تتخلوا عنا فلم يبقى لدينا سوى أعداد قليلة من الطيارين، نحن نعرف أن قيادتنا لم تحسن استخدام سلاحنا الجوي ولكن ما العمل والحرب ما تزال قائمة، ولا مجال للتغيير، وكان يتكلم وعيناه تدمعان حزناً لما جرى، قال له صباح صالح نحن قدمنا من أجلكم فكيف نتخلى عنكم بل سنستمر وأمرنا إلى الله).
عودة القوة الجوية العراقية من سوريا
بتاريخ 22/10/1973 أصدرت القيادة السياسية العراقية على مضض قرارها بانسحاب القوات العراقية من سوريا ومصـر، بعد أن اكتمل وصول الفرقة السادسة المدرعة وباقي الألوية الأخرى، وانضمامها إلى الفرقة الثالثة المدرعة وبدأت أعمال الإستحضارات لمواجهة القوات الإسـرائيلية بهجوم مقابل غرضه إطالة أمد الحرب التي لاتقوى عليها إسـرائيل، ولكن قرار الهجوم هذا لم يلقى إستحسان القيادات العسكرية المصـرية والسورية وكان بمثابة انتكاسة شديدة للقيادة السياسية العراقية، بعد أن تكبدت قواتها العسكرية مئات الشهداء والجرحى والأسـرى في هذه الحرب، التي لم يبلغ بالاشتراك فيها مسبقاً، لقد أطلقت هذه القيادة على هذه الحرب تسمية حرب تحريك وليس حرب تحرير
ملاحظة:
قام الإتحاد السوفيتي تجهيز العراق اثناء الحرب بطائرات سوخوي 20 ومجاميع الخبراء الروس لتجهيزها للطيران أثناء القتال مع العدو الصهيوني وكان رغبة العراق إشـراكها بالقتال لكفائتها القتالية العالية التي تتميزت بها عن الطائرة سوخوي 7 ولكن وقف إطلاق النار بدد هذه الجهود سداً».
اترك تعليقك