ماذا حدث في أفغانستان؟ ولماذا حدث الذي حدث؟
25 أغسطس , 2021
بدءاً قال الإرهابي جورج بوش قبل أيام إنه يتابع الأحداث المأساوية في أفغانستان ببالغ الحزن.
والحمد لله الذي أبقاه ليشهد خزيه في هذا اليوم، فقد مرّت 20 عاماً على إعلان هذا الإرهابي نهاية حكم حركة طالبان في أفغانستان، ورغم مرارتها وصعوبة تضحيات الأفغان خلالها، إلا أنها مدة قصيرة لا تذكر في تاريخ الشعوب والأمم الحية.
قبل ثلاثة أيام من استكمال حركة طالبان سيطرتها على العاصمة كابل كانت كل التحليلات تتحدث عن مدة لا تقل عن 90 يوماً لدخول العاصمة، فيما كان الرئيس الأميركي جو بايدن قد قال في الثامن تموز/ يوليو من هذا العام إن “طالبان لن تسيطر أفغانستان فهناك 300 ألف جندي أفغاني مجهزين تجهيزاً جيداً مقابل 75 ألف مقاتل من طالبان وأنا أثق بقدرة الجيش الأفغاني”.
ويبدو أن بايدن بعيد تماماً عن التصرف برؤية استراتيجية فهو حريص فقط على تمضية الوقت في البيت الأبيض، إذ لا يعقل أن تتغير رؤية رئيس أقوى دولة على سطح الكرة الأرضية خلال 37 يوماً فقط، حتى دخلت طالبان كابل، التي من الواضح أن سيطرتها عليها أسهل من تسليم دونالد ترمب مفاتيح البيت الأبيض لخليفته بايدن.
لماذا وكيف انهارت القوات الأفغانية التي تحدث عنها بايدن؟
لدى طالبان 80 ألف مقاتلاً مقارنة بأكثر من 300 ألف جنديا يخدمون الحكومة الأفغانية، ومع ذلك فقد سيطرت الحركة على البلاد بأكملها فعليا في غضون أسابيع، بينما استسلم القادة العسكريون دون قتال في غضون ساعات.
هذه في الحقيقة حكاية جيشين، أحدهما ضعيف التجهيز ولكن لديه دوافع عقائدية عالية، والآخر مجهز بشكل جيد من الناحية الشكلية، أكثر من 88 مليار دولار أنفقت فقط على الجانب العسكري، ومع أن هذه الجيش مجهز جيدا كما قلنا لكنه يعتمد على دعم حلف الناتو، وقيادته سيئة وينخرها الفساد، ورغم ذلك كان الجيش الأمريكي يبالغ بشأن القدرة العسكرية الأفغانية.
أما الخوف فقد كان عاملاً إضافياً، فمع تحول الزخم لصالح طالبان، وهو ما عززته وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للحركة أو المناصرة لها، تسارعت الأحداث مدفوعة بالخوف من الانتقام وتسوية الحسابات الشخصية وخصوصا في مدينة كبيرة مثل كابل.
انهيار نظام كابل في الحقيقة هو قصة جيشين، أحدهما ضعيف التجهيز ولكن لديه دوافع عقائدية عالية، والآخر مجهز بشكل جيد من الناحية الشكلية، لكنه يعتمد على دعم حلف الناتو، وقيادته سيئة وينخرها الفساد.
أيضاً علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار آلية تمدد طالبان في القرى وكيفية كسبها للشخصيات المؤثرة في كل قرية بينما كانت السلطات التي نصّبها المحتلون مكروهة بسبب الفساد ولعوامل أخرى.
وهذا يعني أن طالبان كانت وثيقة الصلة بالمجتمع الافغاني لأنها تفهم طبيعته القبلية، في حين كانت الولايات المتحدة، والسلطة التي نصّبتها معنية بشريحة اجتماعية محدودة العدد للغاية ومنقطعة كلياً عن المجتمع، وهي الفئة التي ترفع شعارات حداثوية لا يفهمها المجتمع القبلي الأفغاني وحتى إذا وصلت إليه فإنه لا يتفاعل معها.
من جانب آخر هناك من يقول إن حركة طالبان عقدت اتفاقاً مع المحتلين الأميركان وستعود بموجبه لحكم أفغانستان، ومع أنه لا توجد دلائل على هذا الاتفاق، لأن محادثات الدوحة لا تتضمن ذلك، وإذا كان هناك فعلا مثل هذا الاتفاق فهذا يُحسب لها ولا يُحسب عليها، لسببين:
الأول: أن أميركا لم تتفاوض مع جهة وهمية ولا وجود لها على الأرض، بل هو ثمرة المطاولة العزوم والصبر المرير واستمرار المقاومة الباسلة التي مارستها طالبان فعلا وواقعا،
والثاني: أن النجاح في التفاوض هو نصر أيضا، فإذا كانت طالبان نجحت في إقناع الإدارة الأميركية، وهي بالمناسبة إدارة ترمب وليست إدارة بايدن، بإعادتها إلى حكم أفغانستان وهي التي حاربتها وأزاحتها على الحكم فهذا نصر سياسي كبير لحركة كانت منبوذة ومحاربة طوال أكثر من ثلاثة عقود.
مهما يكن الموقف من حركة طالبان، فالإنصاف والموضوعية يقتضيان الاعتراف بأن أكثر من ترليون دولار أهدرتها أميركا ونحو ثلاثة آلاف من جنودها قتلوا باتت هباءً منثوراً في نزوة عدوانية لم تحقق لها شيئاً في أفغانستان.
وأعتقد أنه مهما يكن الموقف من حركة طالبان، فالإنصاف والموضوعية يقتضيان الاعتراف بأن أكثر من ترليون دولار أهدرتها أميركا ونحو ثلاثة آلاف من جنودها قتلوا باتت هباءً منثوراً في نزوة عدوانية لم تحقق لها شيئاً في أفغانستان.
وفي نهاية الأمر لا يهم كيف سيطرت طالبان على أفغانستان وما إذا كانت هناك اتفاقات مع الأميركان أم لا بهذا الخصوص، الأهم كونها سيطرت فعلاً وأن ثمة واقعاً جديداً تحقق على الأرض.
كيف ستتصرف طالبان في المستقبل؟
قبل أيام أعلنت حركة طالبان عفواً عاماً عن كل موظفي السلطة (المنهزمة) عسكرييها ومدنييها، وبدأت ببث خطاب تطميني لكل فصائل المجتمع ومنهم النساء، وهذا دليل على تغيير منهجها والاستفادة من تجربتها السابقة، والأرجح أن طالبان اليوم، هي غير طالبان قبل 20 عام فالتجربة الكبيرة التي مرّت بها لها دروسها ولها عِبرها ولها مآلاتها.
وماذا عن إيران؟
كثير من العراقيين والعرب يهاجمون طالبان باعتبار أن لها علاقات مع إيران.
لنفهم أولاً أن طالبان كانت حركة تسعى للعودة إلى الحكم وهي بالتالي تتحرك سياسياً لكسب أصدقاء أو تحييد أعداء تأميناً لوضعها، وهذا في العرف السياسي أمرٌ لا غبار عليه بل متّبع بالفعل.
طالبان قوة عقائدية، بل هي لم تتمكن من بسط نفوذها قبل 30 سنة وطبعاً الآن إلا لأسباب عقائدية تتصادم بالضرورة مع المشروع الفارسي الذي يسعى لمدّ نفوذه في أواسط آسيا باستخدام أقلية الهزارة الشيعية والميليشيات الارهابية مثل فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية.
هنا أرجو أن لا ينسى من يتحدث عن علاقة نظام الولي الفقيه في إيران بحركة طالبان تصريحات نائب الرئيس الإيراني الأسبق محمد علي أبطحي التي كرّرها مراراً عن دور طهران في دعم واشنطن لاحتلال كابل وبغداد.
طالبان قوة عقائدية، بل هي لم تتمكن من بسط نفوذها قبل 30 سنة والآن إلا لأسباب عقائدية تتصادم بالضرورة مع المشروع الفارسي الذي يسعى لمدّ نفوذه في أواسط آسيا باستخدام أقلية الهزارة الشيعية والميليشيات الارهابية مثل فاطميون الأفغانية وزينبيون الباكستانية، ويأخذ الأمر أهمية إضافية إذا عرفنا أن القائد الحالي فليق القدس في الحرس الثوري الارهابي، اسماعيل قاآني، هو المسؤول الول عن تلك الميليشيات وهو من كان يرعاها لأكثر من عقد، فهو معني اولا بشؤون اواسط آسيا أكثر من عنايته بالشؤون العراقية والسورية واللبنانية واليمنية وغيرها.
ولندع كلام إيران عن عدم انزعاجها من عودة طالبان للحكم في افغانستان، فالحقيقة تؤكد أنها تواجه عدواً مؤذياً لها بشدة كانت تعاونت مع أميركا لإسقاطه قبل 20 عاما وهذا لن تنساه طالبان لإيران، وسيكون هناك الكثير مما تواجهه طهران وأتباعها في تلك المنطقة، وأكاد أجزم أن طهران لن ترتاح بعد اليوم.
وحتى نفهم جانباً من التحركات السياسية المحيطة بنا، علينا أن ندرك أن الهند تنشط في بثّ الدعاية المضادة لحركة طالبان سواء على الصعيد السياسي وعلى وعلى صعيد وسائل الإعلام التقليدية ومثله عشرات ألوف الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي الصادرة من الهند.
فهل الأمر مرتبط بالسياسة فقط، أعني المنافسة مع باكستان التي أصبحت أفغانستان الآن أقرب لها، أم باعتبارات أخرى، دينية وعرقية؟
أعتقد أن هناك الكثير مما ينبغي أن يقال في هذا الخصوص لكنه باختصار يتعلق بكل ذلك، اعتبارات التنافس الدائم مع أفغانستان، والعوامل الدينية والعرقية.
ومن التفاهة بمكان أن الهجوم على طالبان يتعلق بحجاب المرأة الأفغانية أو تعليمها، فهؤلاء الذين يبثون هذه الأخبار ساهموا في احتلال بلد لمدة 20 عاماً، وبالتالي شاركوا في قتل عشرات الألوف من أبنائه رجالاً ونساء، فأين كانت مشاعرهم المرهفة وهم يمارسون هذه الجرائم الوحشية بقصدية تامة؟
أخيراً..
سأركّز على عدة نقاط سريعة”
أولا: عمر هذه الصورة التي جمعت بايدن ورئيس أفغانستان الهارب أشرف غني عمرها ثلاثة أسابيع فقط، كان غني يظن أنه يضحك معه لكنه كان يضحك عليه.
ثلاثة أسابيع بين الصورة والحقيقة المرة التي صحا عليها رئيس أفغانستان ليتحول بطرفة عين من رئيس إلى هارب وسيتحول قريباً إلى لاجئ.
ثانياً: الأميركان اصطحبوا كلابهم معهم لكن لا مكان للخنازير في طائرات الأسياد، وقد لاحظتم كيف تعلقوا بالطائرات ورأى العالم مشهد سقوط جثث هؤلاء الذين أسميهم أحذية الغزاة، من الجو. وهذه مشاهد لم يرها العالم لا في أفلام هوليوود وبولييوود ولا في مغامرات جيمس بوند، وستبقى عالقة طويلاً في الأذهان.
لا بل أن رسل الديمقراطية وحقوق الإنسان القادمين من الولايات المتحدة قتلوا العديد من عملائهم الأفغان أثناء منعهم من الرحيل معهم بعدما انتعلوهم لسنوات في تدنيسهم بلدهم.
ثالثا: خرجت الولايات المتحدة مدحورة مخزية من أفغانستان، البلد الذي جلبوا له الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كما يزعمون. فهذه أرض مرّت عليها عربات جيوش الغزاة، لكنهم جميعاً لم يستقروا فيها، فالأرض لأصحابها مهما طال الزمن.
رابعاً: هل كانت حركة طالبان ستنتصر في أفغانستان لو أن لديها حضناً دافئاً مثل الحضن العربي الذي يحيط بالعراق، وأشقاءً يفتحون أراضيهم وقواعدهم وموانئهم ويدفعون المليارات لسلاح الأميركان ووقود طائراتهم لغزو شقيقهم؟!
وهل كانت ستنتصر لو أن لها حاضنة دخل بعضها ضمن مشاريع المحتل وارتضوا بالفتات من المناصب التافهة كما يحدث في العراق، وأعني بالتحديد ذلك النفر من سنة العراق الذي التحق بالركب الخائب، ومنهم من التحق بعد مرور القطار؟!
الأهم في قضية أفغانستان أن حركة طالبان إستمرت في المقاومة وثبتت على عدم الإعتراف بالمسخ الذي أنجبه المحتل الأميركي هناك، كما نفعل نحن في العراق.
خامسا: بعد الهروب المخزي للغزاة من أفغانستان نسأل:
ماذا عن حروب العرب العبثية خدمة للأميركان؟
وماذا عن استنزاف أموالهم في ذلك البلد وغيره؟
وهذا ما فعلوه في العراق منذ عام 1990 فباتوا غثاءً لا ذكر لهم في معادلات التنافس على حدود ومديات النفوذ بين القوى العظمى والقوى الإقليمية، إيران مثلا.
الأهم في قضية أفغانستان أن حركة طالبان إستمرت في المقاومة وثبتت على عدم الإعتراف بالمسخ الذي أنجبه المحتل الأميركي هناك، كما أننا لم نعترف بمثيله الذي أنجبه الغزاة في العراق والذي يريد له قيس الخزعلي ومقتدى الصدر وهادي العامري ونوري المالكي وكل مسخ من أمثالهم أن يصبح شرعيا.
ختاماً
كان لموازين السماء رأي آخر في كل ما فعلته أميركا ومعها جيوش الناتو لتفهمنا أن إرادة أميركا ليست قدراً مقدورا.
يا حافر البير (البئر) لا تغمج (تعمّق) مساحيها خاف الفلك يندار (تدور الأيام) وانت التگع (تسقط) بيها.
هذا مثل عراقي حكيم، فهل يفهمه العملاء؟
اترك تعليقك