يوميات مسيطر جوي

29 يناير , 2019

المقاتل المسيطر الجوي – مالك عبد القادر
في الذكرى 26 عاماً على استشهاده المقدم المسيطر حازم حسين علي العبادي
هي سلسلة أكتبها عن تاريخ وأحداث حصلت معي أو مع زملائي فيها ما هو محزن ومبكي وما هو مفرح ويبعث للسعاده والفخر بالعمل يوم تقوم بإنقاذ طيار وطائرة وهو في حالة اضطرارية وقصتنا اليوم يكتبها أحد الإخوان المسيطرين فكانت أحد المواقف التي تحصل من خلال زحمة العمل هي طريفة ولكن الموقف فيها حرج ويبين ردة الفعل السريعة والفطنة من قبل المسيطر لكي يتفادى خطر محدق قد حصل ولكنه تجاوز الأمر بحكمة المسيطر ونظرته الثاقبة في انقاذ الطائرة وقائدها بعد أن اختلط عليه الأمر .
المكان كلية القوة الجوية العراقية مصنع الصقور وتقع شمال مدينة تكريت وقد تم بناؤها في العام 1970م من القرن الماضي وعند اكتمالها انتقلت الكلية في العام 1973م إلى مقرها الجديد شمال غرب تكريت بمسافة 15 كم وهي مؤسسة تدريبية رصينة , تعتبر من أكفأ المؤسسات في الشرق الاوسط بل من أحسنها في الأداء والكفاءة ولم تكن مقتصرة على الطلبة العراقيين بل كانت تستقبل الطلاب من كافة الدول العربية وقد خرجت مجاميع كبيرة منهم كطيارين ومسيطرين وملاحين وبعد تخرجهم عادوا إلى بلادهم و خدموها بالاضافة الى الطلبة العراقيين , لقد تم تبديل اسم الكلية بعد عام الاحتلال الامريكي 2003 م ظلماً وعدواناً بقاعدة سبايكر , وهو الطيار الأمريكي الذي أسقطت طائرته F 18 المتقدمه من قبل أحد صقور MIG 25 البطل زهيرداود ليلة 1991/1/17 بداية العدوان الأمريكي على العراق في معركة أم المعارك الخالدة .
وقد عمل في هذه المؤسسة خيرة الطيارين والمدربين العراقيين والهنود والروس ودول أخرى لغرض الاستفادة من خبراتهم وسد النقص الحاصل للمدربين العراقيين بسبب التوسع الكبير في هذه المؤسسة وعلى الطيار المتخرج أن يكمل 180 ساعة طيران وحسب المنهج التدريبي الذي تم أعداداً ه جيداً وكذلك دورات الملاحين والمسيطرين يتم إعدادهم بشكل جيد وممتاز بحيث يؤهلهم للعمل في كافة الظروف .
والاسراب التدريبيه التي كانت تعمل في الكلية وأنواع الطائرات المختلفة فكان فيها:ـ
*السرب التدريبي الاول والثاني المزود بطائرات التوكانوالبرازيليه وطائرات L29 .
*السرب الثالث المزود بطائرات L39 للطيران المتقدم .
*السرب الرابع المزود بطائرات PC7 .
*السرب 27 التدريبي المتقدم (ocu) .
*السرب 101 المزود بطائرات برافو
*طائرة المختبر الملاحي AN 26 .
وصف مطار الكلية يتكون من مدرجين وبناية سيطرة جوية واحدة :ـ
* المدرج الرئيسي (1) الكونكريتي يقع غرب السيطرة الجوية وبطول 4 كم وعرض 45 متر ويستخدم من قبل السرب الأول , والثاني , وسرب 27 وتتوفر فيه شبكة إيقاف الطائرات للحالات الاضطرارية في حال عدم تمكن الطائرة من الوقوف .
* المدرج الثانوي (2) الاسفلتي يقع شرق السيطرة الجوية وبطول 3 كم وعرض 30 متر ويستخدم من قبل السرب الثالث وسرب 110 ولا توجد فيه شبكة إيقاف الطائرات .
* مناطق الطيران (ZONE) هي مناطق منتخبة ومقسمة ومعلومة المعالم وفق خريطة تعدها غرفة الحركات بالتعاون مع آمر السيطرة الجوية وجناح الطيران ويبلغ عددها أكثر من 50 منطقة طيران .
* برج السيطرة الجوية يتكون من مسيطر TOWER لكل مدرج مسيطر وموجة خاصة به ومشرف أقدم Supervisor يقوم بالإشراف على عمل المسيطرين بالواجب ومراقبة حركة الطائرات داخل دائرة المطار.
* مسيطر الرادار والتقرب Approach @ radar وهو المسؤول عن مراقبة الطائرات في مناطق الطيران خارج دائرة المطار ويساعد الطيار بالتقرب الالي و الراداري
.لقد كان يتم اختيار المسيطرين الذين يعملون في السيطرة الجوية حسب تقييم مدير السيطرة الجوية وهيئة ركن المديرية لتنسيب الضباط المسيطرين القدامى وتنسيب المسيطرين الجدد حسب تقرير يعد من قبل جناح تدريب السيطرة الجوية للطالب المسيطر المتخرج ويرفق هذا التقرير مع ملفه (هل يمكن له العمل في المطارات المزدحمة) ويأخذ بهذا التقييم بنظر الاعتبار من قبل صنف السيطرة الجوية , أن زخم الطيران في مطار كلية القوة الجوية يحتاج إلى انتباه شديد وتنسيق عالي جداً وكفاءة عالية ومهارة في العمل وإلمام تام بسياقات الذهاب والعودة لكي يسهل التعامل مع عدد من الطائرات قد يصل في بعض الأحيان الى أكثر من 70 طائرة في كلا المدرجين في الساعة الواحدة الطائرات التي في مناطق الطيران والملاحة الجوية والطائرات التي في طريق العودة والطائرات المقلعة والتي في دائرة المطار والطائرات الزائرة . آخذين بنظر الاعتبار ان الذين يتعاملون معهم هم طلاب جدد وغير فعالين كل هذه الأمور تأخذ بالحسبان واتخاذ كافة التدابير اللازمة .
إن دوام جناح طيران الكلية مستمر على شكل وجبتين صباحية ومسائية وبسبب نتيجة الزخم الكبير في عدد الطلاب المتدربين وعدد طلعات المنهاج وقصر فترة التدريب لذلك يبدأ الطيران من الساعة6صباحاً ــ 12ظهراً ويأتي المتدربين الآخرين من الساعة 12ظهراً حتى مغيب الشمس وإذا كان هناك منهاج تدريبي ليلي فيستمر العمل الى ساعات الليل المتأخرة وعادة تكون في الأيام المقمرة .
في أحد الأيام من عام 1985 حصل هناك موقف يجمع بين الطرافة والجدية في آن واحد وقد أنقذ الموقف مسيطر شجاع بحيث تدارك الموقف وأنقذ الطيار من خطر حقيقي هو الرائد المسيطر حازم حسين علي العبادي بكفاءة ورد فعل سريع وبرودة أعصاب
وكان هو المشرف في الواجب في تلك الساعة , أقلع الطالب المتدرب اليماني بطائرة التوكانو برحلة تدريبية اعتيادية منفردة إلى أحد مناطق الطيران (وقد كان يسمح لهم بالاتصال باللغة العربية لضعفهم بالتحدث باللغة الإنجليزية وهي لغة التحدث المتبعة في طيران الكلية ) . وبعد إكمال وقته التدريبي أتصل للعودة للمطار وكانت كل الاتصالات اعتيادية والطيران في حينها يعتمد على الطيران البصري (VMC) وبين زحمة الطائرات العائدة وحسب سياق العودة (2Min Tikrit) وبعدها(abeam tikrit) وبعدها (30Sec) وبعدها(Over Head) والدوران الى ضلع مع الريح (Downwind) والدوران إلى مرحلة التقرب (Final) وطلب السماح للنزول من المسيطر بعد تأكد 3 أخضر للدلالة على أن العجلات نازلة حسب المؤشر الموجود في الطائرة (3Green) …. وبصورة مفاجئة نادى الطالب اليمني وهو يصرخ بلگيس بلگيس أنا تهت !!! (بلقيس هو أسم البرج الرمزي وعادة الأخوة اليمنيين يقلبون القاف إلى كاف معطشة ) لكثافة الطيران في دائرة المطار كان المسيطر يظن أنه أحد هذه الطائرات الموجودة …. عندها تدخل الرائد الشهيد حازم وسأله ماذا ترى ؟؟؟ قال أنا فوق المطار ولكن في هليگوبترات كتير !!! وعرف المسيطر المشرف أن التلميذ إنما يتقرب إلى مطار K2 التابع لمديرية طيران الجيش في الصينية ويقع شمال شرق الكلية بمسافة 27 كم … فقال له ادفع overshot واستدر يساراً عكس المدرج باتجاه 140 وأنت ستصل إلى الكلية إلا أن التلميذ بقي يكرر ( وش تگول )؟؟ مع تكرار الرسالة تدخل أحد الطيارين المدربين ( الرائد الطيار آزاد صديق) وكرر الرسالة ( المسيطر يگول المسيطر يگول استدر يسارا باتجاه 140 وانت تصل للكلية المسيطر يگول ) … بعد نزول التلميذ بسلام أتصل المرحوم الرائد حازم بالرائد آزاد وبعد السلام والتحية والشكر لتدخله الإيجابي وسأله سيدي لم هذا التأكيد ( المسيطر يگول ) ولأكثر من مرة … فقالها بمداعبة لطيفة وضحكه يا أخي المناطق المحرمة كثيرة وأنا كردي وصوفتي حمرة وهذا تلميذ عربي أذا صار عليه شي راح أبتلي ولذلك كررتها حتى تكون واضحة في التسجيل (( المسيطر يگول )) وفي تقديري هذا موقف ينم عن احترام الرائد الطيار أزاد صديق لدور المسيطر وقراراته لأنه هو المسؤول المباشر عن حركة الطائرات ولكنه بادر بإيصال الرسالة وتوضيحها وأنها من المسيطر وليست من عنده وهذه هي الجدارة الجوية ومعرفة القوانين المتعارف عليها .
الرائد الطيار أزاد صديق د 25 ك. ق . ج وهو طيار سوخوي 22 قبل أن يلتحق بمدرسة معلمي الطيران ويعين كمدرب في كلية القوة الجوية وقد التحق في بداية الحرب العراقية الايرانية الى سرب 109 وشارك بالواجبات في العمق الإيراني أنه كان مثالا للشجاعة والاقدام والجدية وبعدها أعيد إلى كلية القوة الجوية ليعاود تدريب الطيران في الكلية , وهو نجم من ضمن نجوم المدربين العراقيين الذين خدموا الكلية بامتياز وكفاءة لقد اكتسب محبة واعجاب الجميع والميزة الأخرى المضافة أنه كردي من السليمانية وهذه الميزة التي تبعث للافتخار به بيننا,وكما يصفه من عمل معهم .
الشهيد الرائد المسيطر حازم حسين علي العبادي من أبناء الموصل تولد 1954م دخل كلية القوة الجوية بالدورة.27 ك.ق..ج وتخرج منها برتبة ملازم مسيطر وعمل ضمن اختصاصه في جميع القواعد التي عمل بها أكمل دورة الرادار التي أقيمت في إيطاليا 1982 واجتازها بنجاح في عام 1990م تم نقله آمر وحدة السيطرة والانواء الجوية في قاعدة الوحدة الجوية (الشعيبة )وخلال العدوان الامريكي الغاشم والحرب التي فرضت على بلدنا العراق في حرب أم المعارك وفي يوم 1991/1/26 قامت الطائرات المعادية بقصف ملجأ الحركات في القاعدة وكان الشهيد متواجداً في تلك اللحظة وكان هذا بداية قصف الملاجئ الكونكريتية المحصنة وتلاها قصف ملجأ مطار فرناس الذي أستشهد فيه مجموعة من الطيارين وآخرها ما حصل في ملجأ العامرية رحمك الله يا زميلنا المسيطر حازم حسين ورحم الله جميع الشهداء الذين نذروا أرواحهم فداء للوطن وأسكنهم فسيح الجنان تمر اليوم الذكرى السادسة والعشرين على استشهادهم .
بقلم .ـ مالك المهداوي
2017/1/26
الشكر موصول للكابتن أزاد صديق الذي أطلع على ما كتبته وأرسل رسالة مفادها ( أشكرك أخي العزيز على الكلمات اللطيفة و سردك للماضي الجميل الذي اصبح جزء منا بحلوه ومره, صدقني ما كنت أتذكر هذه الحادثة لولا أنت تذكرني بها . كنّا نحترم مهنتنا ارضاءً لرب العالمين سبحانه و تعالى و ارضاءً لضمائرنا. جزاك الله خيراً وفقكم الله لهذا العمل الكبير ورحم الله الشهيد حازم )
وكذلك أشكر أخي وزميلي الكابتن المسيطر أمير البياتي الذي كتب هذه القصة وأخذت الإذن لكي أعيد صياغتها بأسلوب يصل إلى الناس البعيدين عن الاختصاص .

المقدم المسيطر الشهيد حازم حسين علي العبادي