جانب من مذكراتي في حرب تشرين (اكتوبر)1973
8 أكتوبر , 2016
اسامة المهداوي
6 /10 /2016
مذكراتي التي قررت ان اكتبها بعد ثلاثة واربعون عاما احكي فيها عن نفسي وعن اخوة لي في السلاح وربما ستجدون تصرفات اواجراءات غريبة فاعذروا ملازم طيار بخبرة حوالي الخمسمئة ساعة طيران .
اسامة المهداوي
ثلاثة واربعون عاما مضت على حرب تشرين المجيدة التي اعادت للعرب شعورهم بالعزة والاقتدار ومحت آثار الهزيمة العسكرية والنفسية التي سببتها نكسة حزيران 1967
زج العراق معظم قواته الجوية والبرية في المعركة مع سماعه اخبار الهجوم على الجولان من وسائل الاعلام وسرت فرحة غامرة بين صفوف المقاتلين بمختلف صنوفهم للمشاركة في هذه المعركة رغم انعدام التنسيق والتخطيط المسبق , وبهذا صمدت دمشق وضلت عصية على الاعداء, لقد تحقق هذا الانتصار بدماء الشهداء وعرق المقاتلين من العراقيين والسوريين على حد سواء . احيي في هذه الذكرى كل من شارك في تحقيق هذا النصر في الجبهتين السورية والمصرية التي كان لاسراب الهنتر العراقية القصب المعلى في الضربة الجوية الاولى في سيناء .
تحياتي واحترامي وتقديري للصقور القادة الذين تتلمذنا على ايديهم وتعلمنا منهم آداب العسكرية وفنونها واخص بالذكر منهم الاحياء واترحم على الراحلين
الصقر القائد خلدون خطاب بكر
الصقر القائد علوان العبوسي
الصقر القائد نجدت النقيب
الصقر القائد المرحوم محمد جسام الجبوري
الصقر القائد المرحوم سالم سلطان البصو
والقائمة تطول واستمحي الآخرين العذر
اود التنويه الى انني ساسطر اخبار مجموعة الطيارين العاملين في مطار الضمير من خلال التجربة الشخصية فقط لعدم امكانية الاحاطة بجميع الفعاليات في القواعد الاخرى .
في امسية جميلة من امسيات شهر تشرين وفي صالة السينما الصيفي التي تم تدشينها في قاعدة ابو عبيدة الجوية لاول مرة واثناء عرض فلم فكاهي مصري قديم حضر بعض الضباط وطلبوا من السيد آمر القاعدة المرحوم المقدم محمد جسام الجبوري الاجابة على الاتصال الوارد من حركات القيادة . وفي ذات الوقت انتشر خبر المعارك الدائرة شرق قناة السويس والتي تجاوت كونها عمليات حرب الاستنزاف والتي كانت دائرة بشكل مستمر على طول خط المواجهة مع القوات الاسرائيلية وما هي الا لحظات وانيرت الاضواء وتوقف عرض الفلم وتسربت الينا معلومات عن طلب حركات القيادة تهيئة السرب الاول سوخوي 7 للحركة الى سوريا والمشاركة بالحرب التي بدات يوم الجمعة 6 تشرين عام 73 وهنا يجب ان اشير الى ان طياري السرب الاول ابتداءا من آمر السرب النقيب طيار خلدون خطاب الى اصغر طيار في السرب الاول كانوا يتباشرون وفرحين بالمشاركة بالحرب ضد المحتل الصهيوني وقد غمرتهم الفرحة لتحقق ما كانوا يحلمون به ويتمنونه وفعلا بدانا بتهيأة امتعتنا البسيطة والضرورية وبعد اقل من ساعة تبلغنا بان الحركة تاجلت الى صباح اليوم التالي لتفادي مخاطر تحرك كامل السرب ليلا بطائراته ومعداته وما ان انقضت ساعات الليل حتى بدأت استعدادات الطيران وتوزيع الطيارين على التشكيلات وايجاز المهمة وما هي الا ساعات حتى حط السرب الاول بكل طائراته وطيارييه ومراتبه من ضباط مهندسين وفنيين في قاعدة الوليد الجوية والتي كانت تعج بالطائرات وطيارين الاسراب الاخرى , سرب الخامس سوخوي 7 واسراب التصدي الميغ 21 وطائرات النقل المختلفة حتى بدت قاعدة الوليد الجوية كخلية نحل وقد امضينا اليلة نتبادل الاخبار التي تصلنا من زملاءنا وفي صباح اليوم التالي تحرك السرب الاول بكل طائراته ومعداته الى سوريا وهبط الجميع في مطار( بلي) وهو مطار متقدم يقع الى الجنوب من دمشق وهنا يجب ان نذكر بان جميع طياري السوخوي من غير المنتسبين للسرب الاول والخامس ممن كان في مناصب او دورات او مهمات قد تم الحاقهم الى الاسراب مما تسبب في نقص عدد الطائرات الجاهزة حربيا نسبة لعدد الطيارين لذلك فقد كلفنا انا والمرحوم الرائد الطيار جودت النقيب بالتوجه الى كركوك بطائرة نقل صغيرة ( دوف ) لجلب طائرتين سوخوي 7 وفعلا طرنا بها من كركوك الى الوليد وكان بانتظارنا م ا ط عصام جانكير وم ط اسماعيل احمد ليكتمل آخر تشكيل رباعي توجه الى مطار بلي السوري ,بعد الهبوط وضعت طائراتنا في الملاجئ والتقينا بطيارين سوريين واخوة لنا لم نلتقيهم من الطيارين العراقيين منذ زمن ,وقبيل غروب الشمس دقت صافرة الانذار لوجودطيران معادي يستهدف المطار ودخل الجميع ملجأ كونكريتي اسطواني الشكل استوعبنا جميعا بوضعية الوقوف وما هي الا لحظات حتى وصلت الطائرات الاسرائيلية فوق المطار والقت قنابلها على مواقع ا لمدفعية المضادة للطائرات وملجئين للطائرات مما ادى الى اصابة طائرتين باضرار بسبب عدم احكام غلق البوابات الحديدية وفي الساعة العاشرة مساء ابلغنا المرحوم المقدم صباح صالح بوجوب مغادرة آخر تشكيل رباعي وصل المطار (الى قاعدة الضمير ) لاسناد السرب السوري الذي قدم خسائر كبيرة ولم يبقى فيه الا اربعة طيارين فعالين وكذلك تخفيف التكد س في الطائرات والطيارين في مطار بلي وهكذا وبعد تناول افطار سريع اقلع التشكيل بقيادة الرائد طيار جودت النقيب , الملازم طيار اسامة المهداوي ,رقم 2 ملازم اول طيار عصام جانكير رقم 3 ,ملازم طيار اسماعيل احمد رقم 4 وتم توجيهنا بواسطة قاطع الدفاع الجوي الى مطار الضمير ونزلنا على ارض المطار وتوجهنا مباشرة الى الملاجئ الكونكريتية واستقبلنا بحرارة بالغة من قبل آمر سرب السوخوي 7 السوري الرائد هشام ومعاونه النقيب طيار احمد بدر وبقية الطيارين منهم الفعال الجاهز للطيران ومنهم المصابين بعد عمليات قذف من الطائرة ومنهم من لم يكن جاهزا بسبب عدم اكتمال تدريبه ٍوبعد انتهاء فترة المجاملات والترحيب توجهنا برفقة الرائد هشام آمر السرب الى غرفة الحركات لاطلاعنا على خرائط المنطقة التي سننفذ فيها الواجبات ومناطق تواجد العدو الصهيوني و اسلوب التوجه الى الاهداف والعودة من خلال الممرات الآمنة وتحت سيطرة قاطع الدفاع الجوي ولكن المشكلة الاولى التي سنواجهها هي لغة الاتصالات ومصطلحات الطيران حيث كان السوريين يستخدمون اللغة العربية والمصطلحات المعربة وباللهجة الشامية وهذه مشكلة ليست بسيطة كما يظهر للوهلة الاولى , ان لغة التفاهم بين الطيارين في الجو ومع سيطرة الدفاع الجوي تحدد نجاح المهمة وسلامة الطيارين على حد سواء .
نعود الى الايجاز , وبعد انتهاء آمر السرب السوري انبرى له قائد التشكيل العراقي الرائد جودت النقيب وقال له بان تنفيذ الواجبات القادمة ستقع على عاتقه وعلى الملازم اول عصام جانكير كونهم الاكثر خبرة وهنا لم اتمالك نفسي وتجاوزت الحدود وقلت ونحن هل جئنا هنا لنلعب الكرة فلم يرد علي الرائد جودت صاحب الخلق العالي لمعرفته باندفاعنا وحرصنا على المشاركة بالقتال وانصرفنا الى مقر السرب التعبوي والذي هو عبارة عن ملجا كونكريتي تحت الارض . وامضينا بقية النهار نستظل بشجرة ظليلة قرب مدخل الملجأ ونتبادل الحديث مع الطيارين السوريين , وهنا يجب ان ننوه بان تشكيلنا المكون من اربعة طيارين والذي تنسب ان يعمل من مطار الضمير لم يرافقنا احد من الضباط الفنيين العراقيين او المراتب
الاربعاء 11 تشرين اول 1973
بداية تنفيذ الضربات الجوية على القطعات الاسرائيلية
في حوالي الساعة السابعة صباحا رن جرس هاتف الماكنيت المربوط مع غرفة الحركات فاجاب آمر السرب السوري الرائد هشام على المتصل الذي سأل عن عدد الطيارين الجاهزين للطيران الفوري فاجاب آمر السرب بان اربعة من السوريين واربعة من العراقيين جاهزين …فامره بان يطير الجميع فورا لاسناد الدبابات السورية المشتبكة مع الدبابات الاسرائيلية واعطاه الاحداثيات واغلق الهاتف وقام بايجازنا ببضعة جمل ( سنطير تشكيلين رباعيين ..اقلاع فوري ,,, الحمولة اربعة قنابل سيقود التشكيلات السوريين …) . RBK 250
هنا طلب الرائد جودت ان يطير كرقم 2 مع قائد التشكيل رائد هشام لكي يتعرف على المنطقة والسياقات وانا اصبحت رقم 4 وقائدي النقيب احمد بدر معاون آمر السرب وقائد التشكيل الرباعي الثاني آمر رف سوري نسيت اسمه برتبة ملازم اول ورقم 2 معه ملازم اول عصام جانكير والرقم 3 ملازم اول سوري وملازم طيار اسماعيل احمد رقم 4
وبعد تشغيل الطائرات درجنا فورا الى المدرجة ولاول مرة نسمع مصطلح ( اتوضع ) يعني لاين آب ومصطلع (حارق اعظمي ) ويعني آفتربيرنر وقبل ان نقلع سمعنا م أ عصام جانكير رقم 2 بالتشكيل الثاني يقول بان احد الاطارات انفجر وخرجت الطائرة جزئيا من طريق الدرج ولكنه اعاق مرور رقم 3 , 4 من التشكيل الثاني وهكذا اقلعنا خمسة طائرات وبارتفاع حوالي العشرين متر اخذنا تشكيل الصحراء (دزرت فورميشن) وبقي قائد التشكيل الثاني يطير بمفرده بين الزوج الايسر (قائد التشكيل وجودت النقيب) وبين الزوج الايمن (رقم 3 احمد بدر ورقم 4 ملازم طيار اسامة المهداوي )وهنا شاهدت عجلات طائرة جودت النقيب الرئيسية غير مكتملة الصعود واخبرته بالراديو ويبدو انه لم يفلح برفعها وطلبت منه العودة ولكنه رفض واخذ يؤشر بيده للامام اي استمر وما هي الا دقائق حتى اصدر قائد التشكيل امر التهيأ للقصف وبعدفترة قصيرة ظهرت امامنا بالافق كتل الدخان الكثيفة السوداء والبيضاء وبعد تقربنا اكثر اصبحنا فوق دباباتنا وشاهدناها تطلق مدافعها نحو الدبابات الاسرائيلية غير عابئة بنا وكان ارتفاعنا عشرين مترا وبعد لحظات اصبحنا بمواجهة الدبابات الاسرائلية والتي كانت على شكل ثلاثة خطوط زك زاك فاصدر قائد التشكيل امر الرمي بوضعية ( توز بومنك)كل طيار على الدبابات التي امامه وبعد اطلاق القنابل اصدر امر ( شد باتجاه العودة ) فاستدار الجميع الى اليسار وبما اني كنت رقم 4 فقد اصبحت آخر واحد في التشكيل وهنا بدأت المفارقات :::
المفارقة الاولى :: مع بدأ الدوران بزاوية 90 درجةواجهت على يساري قنبلة طائرة بنفس الارتفاع مما اجبرني على الغاء الدوران للحظات لتفادي الاصطدام بها تلك كانت من قنابل الرقم 5 الذي كان يطير في منتصف المسافة بين الزوجين ومتراجع بضعة مئات من الامتار وهذا ادى الى تقاطعي مع محرك اطلاق قنابله
المفارقة الثانية :: بعد ان وجدت نفسي وحيدا ومتأخرا عن التشكيل فتحت الحارق الاضافي وقمت بدوران حاد باتجاه العودة وهنا بدأت الطائرة تفقد ارتفاعها وتغطس وسط ذهولي مما يحدث وادركت باني اذا استمريت ساصطدم بالارض وبسرعة الغيت الدوران وعدلت وضعية الطائرةالى الافقي وانا اسحب عصا القيادة بقوة الى الخلف لتفادي الاصطدام بالارض ومع الشهقة التي اطلقتها عنما تراءت الاحجار من حولي انطلق الحارق بالعمل وعادت الطائرة تحت السيطرة بعد ان غطست الى ارتفاع ثلاثة امتار تقريبا وبعدها تمالكت نفسي واكملت الدوران باتجاه العودة
المفارقة الثالثة :: افزعني صوت قائد التشكيل وهو يامرني بقوة بالقذف وترك الطائرة ( ازرق اربعة اقذف اقذف طائرتك مصابة وتحترق) تلفت يمنة ويسرة وتاكدت من العدادات فلم اجد شيئا فاخبرته بان لا مشكلة عندي وطائرتي سليمة , فكرر النداء دون تعيين رمز الطيار حيث ادرك بان المصاب كان جودت النقيب والذي صمد في الطائرة محاولا الخروج من الاراضي المعادية ثم قذف من الطائرة ولم نستطيع تحديد مكان سقوطه
المفارقة الرابعة :: بعد ان تمكنت باللحاق بالتشكيل وكنا نطير بارتفاع حوالي العشرين متر تفاديا لمنظومة صواريخ هوك والتي لا تتمكن من اصابة الاهداف دون الخمسين مترا صدر امر من ( مارد ) مسيطر الدفاع الجوي بالتسلق وبسرعة الى ارتفاع 3000 متر لنكون طعما لطائرا ت الميراج الاسرائيلية التي كانت تطاردنا واغرائها بالتسلق خلفنا حتى يتمكن مارد من اسقاطها وهكذا كان ولكن الله سلم فقد كنت متاخرا عن التشكيل للاسباب السابقة ولم يكن جهاز تمييز العدو من الصديق يعمل لعدم معرفتي بالذبذبة بسبب سرعة الاقلاع وضعف الاستحضارات قبل الطيران وبهذا اثبت مارد بانه ذكي ولم يطلق علي صاروخ ربما بسبب قربي من التشكيل والا لكنت ضحية جهاز( IFF ).
المفارقة الاخيرة هي اشتعال اشارة قلة الوقود (550) ونحن بارتفاع 3000 متر و (مارد ) يناور بنا فاخبرت قائد التشكيل فسمح لي بترك التشكيل والعودة للقاعدة وبعد النزول بسلام ظهر بان الخزانات الاضافية فارغة ولم تملئ بالوقود والحمد لله ، وبعد دقائق من هبوطي عاد التشكيل الى القاعدة وهبط الجميع باستثناء الرائد جودت الذي فقدناه في منطقة لم يستطيع قائد التشكيل تحديدها بالضبط .
الواجب الثاني
وبعد قرابة النصف ساعة صدر الامر بطيران تشكيل من اربعة طائرات بواجب اسناد جوي قريب
قائد التشكيل سوري والرقم 2 ملازم اسماعيل احمد ورقم 3 سوري ورقم 4 ملازم اول عصام جانكير
طار التشكيل وبعد تنفيذ الواجب عاد التشكيل بثلاثة طائرات فقط
وبعد نزولهم تبين استشهاد ملازم اول عصام جانكير حيث اصيبت طائرته فوق الهدف ولم يستطع مغادرتها
لقد كان يوما حافلا فقدنا فيه آمرنا جودت النقيب وعصام جانكير فبقينا انا وملازم اسماعيل احمد بامرة السوريين.
الخميس 12تشرين
يبدو ان ضرباتنا ضد الاسرائيليين كانت موجعة وساهمت في ترجيح الكفة لصالحنا في معركة الدبابات لذلك قام اليهود بتعطيل مطارنا يوما كاملا حيث تعرضنا لغارة جوية من اربعة طائرات فانتوم تحميها طائرتين ميراج والقت حمولتها من القنابل ذات الانفجار المزدوج الخارقة للمدارج على المدرج وطريق الدرج الرئيسي حدث هذا في تمام السابعة صباحا ،
باشرت قوات الهندسة في تحويط مواقع القنابل بسواتر ترابية وقامت بتفجير القنابل الموقوتة في الحفر وبدأوا بتنظيف المدرج من مخلفات الانفجارات والتفجيرات واتموا العمل بحدود الساعة الثانية عشرة ظهرا وهنا وكأن اليهود يعلمون بالوقت المستغرق لاعادة تأهيل المطار ولاجل تعطيله ثانية قاموا بالاغارة على المطار بنفس الاسلوب السابق في حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف وبذلك فقد أمن العدو تعطيلنا طيلة هذا اليوم .
الجمعة 13 تشرين
بعد اتمام تصليح المدرجة للمرة الثانية وتنظيفه كنا متهيئين لتنفيذ الواجبات وهكذا وفي الساعة الواحدة ظهرا طلب آمر السرب طيار سوري وطيار عراقي لتنفيذ واجب اسناد قريب بطائرتين وتم تنسيب ملازم اول سوري لقيادة التشكيل وسألنا من يود الطيران فلم يجيب ملازم اسماعيل احمد لانه كان يشعر بوعكة فسارعت وقلت لآمر السرب انا جاهز وخلال دقائق كنا في الجو متجهين الى الهدف وكانت المنطقة جبلية وكنت اطير قريبا من قائد التشكيل وحسب الاتفاق لاطلاق القنابل بنفس الوقت وعلى نفس الهدف والذي كان تجمعا لآليات العدو وكرفانات وبعد القائنا القنابل استدار قائد التشكيل وبقوة فوق الهدف ولم اتابعه لان هذا التكنيك بالنسبة لنا خاطئ , فقد تعلمنا بان نستمر لمدة ثلاثين ثانية قبل الدوران والعودة لتجنب النيران المعادية وبعد استمراري بالطيران في العمق رزقني الله بهدف دسم وسهل فقد كنت في هذه اللحظة فوق حافة هضبة وشاهدت امامي في المنطقة المنخفظة رتل من المدرعات والاليات وبمسافات متقاربة جدا بينهم وعلى خط واحد فما كان الا ان عمرت المدافع الرشاشة وصوبت مدافع الطائرة نحو اول آلية وفتحت النار وبصلية مستمرة على طول الرتل ولم اقطع الرمي الا بارتفاع منخفض وخوفي من الدخول في شضايا الهدف (وبعد العودة للقاعدة شاهد المهندسين السوريين الفلم واحصوا عدد الاطلاقات الباقية فكانت عشرين اطلاقة لكل مدفع وهذا يعني باني اطلقت مئتي اطلاقة عيار 30 ملم) .وبعد ان خرجت من الهجوم استدرت الى اليسار فرأيت في الافق وبمسافة بعيدة طائرتين ذات جناح دلتا يقومان بدوران حاد الى اليسار ايضا فاعطيت نداء بالراديو( طائرات ميراج ) وهنا صاح قائد التشكيل (مشتبك معاهم ) وانقطع الصوت وفقدت الاتصال البصري معاهم لانشغالي بتجنب المرتفعات وطيراني في وادي متعرج وهنا سالني (مارد ) هل تستطيع رؤية ازرق واحد (قائد تشكيلي) فاجبته بالنفي فاعطاني اتجاه للعودة وقال (وراك تشكيل معادي ,, استمر) ففتحت الحارق الاضافي وقمت بالطيران المنخفض جدا والذي اخاف ان انزل دونه مع المناورة المستمرة بين التضاريس والمرتفعات متخيلا بانهم سيسددون علي صواريخهم ولتفويت الفرصة عليهم , وبعد دقائق انتهت التضاريس الوعرة واصبحت اطير فوق ارض منبسطة وبسرعة 1200 كم/س مؤشرة وعندما اصبحت جنوب دمشق تقريبا ظهر امامي هدف يطير بنفس الاتجاه اعلى مني قليلا وابطـأ فقلت في نفسي اذا كان عدو سيسقطني بعد تجاوزي له وبسهولة فقررت ان افتح عليه نار المدافع واصبعي كان على الزناد (ولكن الله تعالى جعلني اطلق نداء في الراديو غريب وغير مسبوق > الطائرة التي امامي اذا صديق هز اجنحتك < فصرخ مارد صديق صديق وبلحظات اصبحت على يساره وبمسافة خمسون مترا تقريبا فاذا بها ميغ 21 فهززت اجنحتي له وتجاوزته فحمدت الله ان (مارد ) تدخل في الوقت المناسب وبعد وصولي فوق المطار عملت مناورة حادة لتنظيم نفسي للنزول فانزلت العجلات والقلابات في ( البيسلغ) وبعد النزول توجهت الى الملجأ المخصص واستقبلني الفنيين ب حمد الله على السلا مة سيدي وبانفعال ففهمت بانهم شاهدوا طائرتين ميراج ثم طائرة الميغ (الصديق الذي لم اسقطه) وقد اطلق صاروخين باتجاهي فاخطأتني وانفجرت قرب لبيكن الداخلي ولقد شاهدت الدخان والغبار الذي احدثته على الارض ولم نفهم هل الميراج اطلقت الصاروخين واخطأتني ام الميغ 21 اطلق على الميراج صواريخه فاخطأهم ولكنه اجبرهم على الفرار دون ان يحققوا هدفهم ولم نكترث بما حدث كثيرا لان الساعات كانت حبلى بالاحداث والحوادث ,وهذه الطلعة بالذات كانت زاخرة بالمفاجآت والاحداث
في حوالي الساعة الرابعة مساء وصلت سيارة مدنية بسائق ونزل منها مقدم طيار عراقي لم التقي به سابقا ولكني شبهته بالرائد جودت النقيب فبادرته بالسؤال هل انت شقيق جودت( فلزمته العبرة )وعانقني وطلب مني اي معلومات عن شقيقه فطمأنته و اخرجت له خارطة واشرت له على منطقة داخل اراضينا وقلت له هنا قذف رائد جودت (ولم اكن صادقا معه )ولكن فقط لابعاد الحزن عنه وبعد ان اطمأن وتمالك نفسه بدأ بالسؤال عن عددنا ومن بقي منا وكيف ارسلنا بدون طواقم ارضية معنا وقال اكتبلي اسمك واسم ملازم اسماعيل وساعود الى دمشق وسنصدر امر بسحبكم الى حيث تتواجد اسرابنا ,فودعنا وغادر الى الشام .
المهمة الاخيرة
( سئل احد الصقور اليافعين , هل انتابك الخوف وانت في وسط نيران اسلحة الدفاع الجوي المعادية الموجهة وغير الموجهة ومطاردة طائرات العدو اثناء قصفكم للاهداف المعادية …؟ فاجاب لم افكر بالخوف لكي اخاف هكذا كان لسان حال صقور الجو الميامين الذين سطروا اروع الملاحم في كل سوح الوغى ) .
بتنا آخر ليلة في الضمير في دار البلدية ونحن نتبادل القصص والاحاديث مع الاشقاء السوريين وفي وقت الفجر استقلينا الحافلة التي نقلتنا الى مقر السرب التعبوي حيث اكملنا نومتنا في الملجأ بانتظار شروق الشمس وبعد تناولنا الافطار السفري رن هاتف الحركات و صدر الامر بطيران تشكيل رباعي بحمولة قنابل لقصف هدف محدد .
استقلينا الحافلة الصغيرة باتجاه ملا جئ الطائرات وفي الطريق اوجزنا قائد التشكيل النقيب احمد بدر بالواجب وهوقصف تجمع لقطعات العدو الاسرائيلي بقنابل انفجار عالي ونسب ان اكون رقم 2 معه ورقم 3 طيار سوري ورقم 4 ملازم اسماعيل احمد وهنا همس ملازم اسماعيل باذني قائلا بانه لا يرغب بالطيران كرقم 4 مع هذا الطيار السوري فقلت له لا يهم واخبرت قائد التشكيل باننا سنتبادل المواقع بيننا انا ساكون رقم 4 واسماعيل سيكون رقم 2 فقال كما تحبون
توزعنا على الطائرات واكملنا التشغيل والدرج (وتوضعنا على المدرج وكانت المحركات تزأر ..فنادى قائد التشكيل (حارق أعظمي )ومن ثم انطلقت طائرة قائد التشكيل وبجانبه طائرة ملازم اسماعيل احمد فاثارت محركاتهم اطنان من الغبار المتبقي من تفجيرات الهندسة وقنابل القصف المعادي على المدرج عندها اصبحت الرؤيا صفر ..اعطاني الرقم 3 اشارة الدرج وما ان تحركنا غاب عن نظري الرقم 3 والرؤيا اصبحت رسميا ( صفر) لا ا رى اي شيء باستثناء شبح حافة المدرج اليمنى وبمسافة مترين الى ثلاثة امتار فتمسكت بها لحين بلوغ سرعة الاقلاع وبعد لحظات انكشفت امامي الدنيا فلحقت برقم 3 وطرنا بارتفاع 20 متر بتشكيل صحراء (دزرت فورميشن) و بعد عبورنا خط القصف (بومب لاين) اطلق قائد التشكيل نداء استعداد للقصف فاخذنا نترقب ظهور الهدف امامنا , فجأة سمعنا قائد التشكيل ينادي تشكيل فانتوم عبر امامنا من اليمين لليسارساهاجمهم ثم اصدر امر برمي القنابل . قام بدوران مع تسلق الى اليسار هو والرقم 2 ملازم اسماعيل احمد ثم فقدت الاتصال البصري مع رقم 1 رقم 2 ورميت القنابل مع الرقم 3 دون ان اعرف اين سقطت
صرخ قائد التشكيل اصبتها اصبتها >>وبعد لحظة اعطى الرقم 3 نداء اسقطوا الرقم 2 <<طائرات ميراج تهاجمنا شد باتجاه العودة ….وبعد ان اخذنا اتجاه الشرق عائدين الى اراضينا شغلنا الحارق الخلفي و نزلنا الى ارتفاع واطي جدا في هذه اللحظة ورغم الصوت العالي الذي يصدر من المحرك مع الحارق الاضافي افزعني صوت انفجار قوي الى اليمين والخلف من المقصورة ولكن لم يحدث شيء للطائرة وعدنا انا والرقم 3 السوري ونزلنا في المطار بعد ان فقدنا قائد التشكيل والرقم2 الملازم اسماعيل احمد ( وجد الفنيون عدة ثقوب في مجموعة ذيل طائرتي سببتها شضايا صغيرة )
وهكذا بقيت الطيار العراقي الوحيد في قاعدة الضمير بعد ان> فقد < الرائد جودت النقيب ثم استشهد ملازم اول عصام جانكير ثم استشهد ملازم اسماعيل احمد .
لذلك بدأ الرائد هشام آمر السرب بالتودد والتحدث معي بامور خاصة بالطيارين وامور القيادة السورية وكيف تم التخطيط والتنفيذ لحرب ال73 سانشرها لاحقا لاهميتها تاريخيا والتي ستفاجئ الكثير !!! !!ٍ
في الساعة الثالثة. بعد الظهر وصلت سيارة عسكرية صالون ونزل منها قائد التشكيل الرائد احمد بدر الذي اعتبرناه مفقودا فقص علينا ما حدث وما لم نكن نعرفه ولقد فرحنا بنجاته و بعودته سالما مع بعض الرضوض بسبب قذفه من الطائرة
اخبرنا قائد التشكيل بانه شاهد طائرتي فانتوم ولم يشأ ان يتركها لذلك اعطى امر التخلص من حمولة القنابل وتابع تشكيل الفانتوم وكان على يساره طائرة اسماعيل احمد وعندما تمكن من التسديد على الرقم 2 فانتوم اطلق مدافعه الرشاشة واصابها اصابة مباشرة وبعد لحظات شاهد طائرة اسماعيل رقم 2 مصابة وتهوي الى الارض ثم اصيبت طائرته ايظا فقذف ونزل بالمظلة فتبين ان طائرتين ميراج كانت تحمي الفانتوم هي التي اسقطت طائرة قائد التشكيل و طائرة رقم 2 اسماعيل احمد من تشكيلنا مقابل فقدانهم طائرة فانتوم واحدة ولحسن حظه فقد هبط قرب قطعاتنا وتم نقله الى مستشفى حرستا العسكري وهناك كانت المفاجأة السارة التي ابلغنا بها فقد وجد الرائد جودت النقيب في المستشفى وهو مصاب بكسر في ساقه بسبب هبوطه في المظلة ولم يكن احد يعلم به لولا ان صادف النقيب احمد بدر هناك .
في الساعة الرابعة تقريبا وصلت سيارة مدنية من دمشق قدم سائقها ورقة فيها طلب ارسال الملازم الطيار اسامة المهداوي والملازم الطيار اسماعيل احمد وايصالهم الى القيادة الجوية ولكن للاسف فقد استشهد اسماعيل قبل وصول الامر وهكذا ودعت رفاق السلاح من السوريين الذين اجهل معظم اسمائهم وتوجه بي السائق الى مقر القيادة في دمشق ومنها الى حيث التقيت بالمقدم نجدت النقيب الذي حرص على اعادتنا الى اسرابنا فلما رايته هنئته فقال على ماذا تهنأني فقلت له ان جودت حي وهو في مستشفى حرستا فتفاجئ وطار فرحا واحتظنني ودموع الفرح تنهمر منه كما احتضنني في الضمير ودموع الحزن انهمرت منه على اثر فقدان شقيقه ( مفارقة جميلة) .
بعد ذلك دعاني لتناول الغداء مع المقدم طيار محمد جسام الجبوري آمر قاعدة ابو عبيدة وبعدها ذهبنا سوية الى المستشفى لرؤية جودت فرأيناه باحسن حال تحيط به الممرضات من كل صوب يلبون طلباته كونه ضيفا عندهم وقد قضينا فترة من الزمن تبادلنا الاخبار ثم ودعناه وعدنا الى النادي العسكري للمبيت والتقيت اعز اصدقائي ملازم طيار قيس باقر واخبرته باخباري وهو اخبرني باسماء اصدقائنا الذين فقدناهم والذين ساثبت اسمائهم ادناه لكي تحيا ذكراهم في كل 6 تشرين
الشهيد ملازم اول طيار سلام ايوب
الشهيد ملازم اول طيار رضا جميل
الشهيد ملازم طيار ابراهيم كاظم الخفاجي
الشهيد ملازم اول طيار عصام جانكير
الشهيد ملازم اول طيار احمد صالح
الشهيد ملازم طيار اسماعيل احمد
الاسير ثم الشهيد الملازم اول طيار سعد الاعظمي
كل الاسماء السابقة تمثل طياري السوخوي وادناه اسماء طياري الميغ 21
الشهيد النقيب طيار كامل سلطان
الشهيد الرائد الطيار نامق سعد الله
الشهيد ملازم طيار متعب الزوبعي
الرائد الطيار جودت النقيب قذف وهبط بالمظلة
النقيب طيار حسين علي ميغ 17 قذف ورجع
الرائد الطيار سمير زينل الذي كان مقيما في الشام استشهد ودفن في الشام
تمت كتابة هذه المذكرات في يوم 6 تشرين الاول سنة 2016
اسامة المهداوي
التعليقات
الاخ العزيز الصقر اسامة المهداوي المحترمة
اسعدني ماكتبت من ذكريات لايام عصيبة من تاريخ امتنا العربية كان لها ان تحدث تاثيرا واضحا لاحتلال استمر منذ الخامس من حزيران 1967 بطرد العدو الصهيوني من الجولان السورية العربية تمهيدا لمرحلة متقدمة في طرد الكيان الصهيوني من ارضنا العربية فلسطين ،وقد لمسنا تاثير هذه المرحلة وارهاصاتها ومشاكلها عند مساهمتنا جميعاً بواقع لم نلمسه قبل ذلك ولو لفترة قصيرة سبب لنا الكثير من المشاكل في الاعداد والتخطيط والتنفيذ ومع ذلك استطعنا بكل ما اوتينا من قوة وقدرة تنفيذ الكثير من الطلعات الناجحة مع الطيارين السوريين خسرنا شباب كان لهم مستقبل باهر في الطيران بمهام لاترقى للمهام المفروض ان تكون بمستوى المواجهة مع الكيان الصهيوني وعليه تم التخطيط من قبل قيادتنا الجوية في سوريا لمهام اخرى ذات تاثير اكثر مما خططت له القيادة السورية بعد اكتمال وصول كافة قطعاتنا البرية لاكتساح الجولان واعادتها لسوريا ولكن لم تحضى بموافقة القيادة السياسية السورية ثم تلى ذلك ايقاف القتال في 22 تشرين الاول ( اكتوبر) دون ان تحقق سوريا اي انتصار كان له ان يحث لو ساهمت قواتنا مسبقا معهم في التخطيط والتنفيذ كما حصل في مصر …بارك الله فيكم اخي الصقر اسامة ممن كان لي المساهمة في تدريبه واعدادة في السرب الاول وقد وجدته صقرا جسورا اهلا للمسؤولية القتالية ضد اعداء الامة العربية والاسلام
اترك تعليقك