لمحات وخوطر عن أنشطة الطيران في العراق مع نظرة خاصة إلى نشوء الخطوط الجوية العراقية / الجزء الأول
29 مايو , 2019
اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس
الجزء الأول
تنويه
هذا الموضوع هو ليس مقالا تاريخيا لتوثيق مرحلة أو مراحل من تاريخ الطيران في العراق الحديث، ولا هو مذكرات أو سرد لذكريات تتعلق بالموضوع، كما انه ليس ببحث علمي ولا بحث تاريخي، بل هو خواطر ولمحات تضم بعضا مما ذكر أعلاه عن جانب من الأنشطة والفعاليات التي أحببتها منذ الصغر، ومن ثم أسعفني الحظ لممارستها، ألا وهي الطيران وبعض الجوانب المتعلقة به. وكان من الأمور التي دفعتني للكتابة فيه، هو ما تناولته بعض الأقلام الموقرة لأخوة وذوات في الفترة الأخيرة نُشر بعضها على صفحات الصحف الإلكترونية مثل الكاردينيا الغراء أو على صفحات التواصل الاجتماعي مثل ( فيس بوك أو الماسنجر أو الواتس أب) ما شجعني على المساهمة بالموضوع . وقد اعتمدت على، واستفدت من مصادر ومراجع كثيرة ، أولها معلوماتي الخاصة وبعض ذكرياتي ومشاهداتي، مؤكدا على كلمة ( بعض) إذ لم أتطرق إلا إلى النزر القليل منها وبما له علاقة بالموضوع ، كما استفدت من مصادر مراجع أخرى، منها ما كتبه الذوات قبلي ، ومنها الأصدقاء الكرام الذين عملوا في مجالات الطيران المدني المختلفة في عراقنا الحبيب وفي مختلف العهود وآخرون لهم معلومات موثوقة عن الموضوع فلهم مني كل الشكر والعرفان ، ومنها الاستفادة من فضاء الأنترنت للحصول على بعض المعلومات والتصاوير ، ومن المصادر أيضا ما نشر على صفحات التواصل الاجتماعي من تصاوير ومشاهدات ذات علاقة ، وقد أشرت إلى المصادر جميعا باستخدام أسلوب الهوامش المتعارف عليه . لقد كانت كتابة هذا المقال ممارسة فريدة لي لم أمارسها سابقا، إذ أنني وضعت منهجا وهيكلية معينة في بداية الكتابة، كما افعل دوما عند الكتابة باي موضوع، لكنني وجدتني أتجاوز على الهدف والغاية والمنهجية، مسترسلا في الكتابة ، وتركت القلم يأخذني إلى حيث تشاء الأفكار التي بدأت تتوارد على ذهني وأنا اكتب ، لذا فان القارئ الكريم سيلاحظ ما يشابه الحركة إلى الأمام والعودة إلى الخلف فيما يتعلق بالأحداث وتواريخها ، ولم أتمسك بذكرها بموجب تسلسل زمني ، بل ذكرتها كما جاءت على فكري . اذن هذا المقال هو ليس مقالا عن الخطوط الجوية العراقية ولا عن القوة الجوية ولا عن جمعية الطيران، بل هو مقال عن موضوعة الطيران في العراق وكيف ابتدأ، مع ذكر بعض الشخصيات التي كان لها دور في هذا المجال المهم، وما ذكري لهم إلا في سياق السرد، وما عدم ذكري لآخرين ليس إغفالا لأدوارهم بل لان المصادر التي وجدتها والسرد الذي أجريته لم يتطرق لهم ، وكما بينت في البداية فهذا ليس بحثا تاريخيا ، بل هو خواطر وذكريات وسرد لقصة موضوع مهم ومن وجهة نظري طبعا . وقد حاولت أن أزين الموضوع بأكثر ما يمكن من التصاوير الإيضاحية لان صورة واحدة تعادل ألف كلمة كما يقول المثال التعليمي، ولقد تمكنت من الحصول على بعض التصاوير النادرة التي لم أصادفها منشورة في أي مصدر، استقيتها من البومات شخصية لأصدقاء وذوات ذكرت أسمائهم في الهوامش. أرجو أن يستمتع القارئ بما سيقرأه، وأستميح القارئ العذر ان وجد هناك نقصا، والله الموفق.
المقدمة
بعد الاحتلال البريطاني للعراق عام 1917، وبعد ـتأسيس الدولة العراقية الحديثة (تحت الانتداب البريطاني) عام 1921، كانت أنشطة الطيران في العراق آنذاك مقصورة على الجهات العسكرية البريطانية. استمر هذا الوضع حتى عام 1931، حيث تأسست القوة الجوية العراقية، وذلك حال وصول أول خمسة طائرات من نوع جيبسي موث إلى العراق، يقودها خمسة طيارون عراقيون أربعة من الدورة الأولى وواحد من الدورة الثالثة وجميعهم كانوا قد تدربوا في بريطانيا منذ ثلاثة سنوات وبقوا هناك بانتظار شراء الحكومة العراقية للطائرات، كي يعودوا بها طيراناً عبر أوربا وتركيا. وقد استغرقت رحلة طيرانهم اسبوعين. وقد وصلوا بغداد وهبطت طائراتهم في مطار معسكر الوشاش ، وكان في استقبالهم المرحوم الملك فيصل الأول وأركان الحكومة العراقية وذلك يوم 22 / نيسان / 1931 فاتخذ ذلك اليوم عيدا للقوة الجوية العراقية. اتجه العراق لتطوير وتعزيز إمكاناته المدنية والعسكرية، وبناء دولته الحديثة ومؤسساتها.
صورة رقم (1) الملك فيصل الأول يصافح الملازم الطيار أكرم مشتاق عند وصوله وزملائه الوجبة الأولى من طياري القوة الجوية العراقية بطائراتهم وهبوطهم في مطار معسكر الوشاش يوم 22 نيسان 1931
صورة رقم ( 2) الطيارون العراقيون الخمسة الأوائل الذين وصلوا بطائراتهم الى مطار الوشاش العسكري يوم 2 نيسان عام 1932 ، وهم من اليمين إلى اليسار كل من حفظي عزيز، أكرم مشتاق، موسى علي، ناطق الطائي ومحمد علي جواد.
الطيران المدني في العراق، البداية
كان نشاط الطيران المدني حتى ذلك الوقت مقصورا على الشركات الأجنبية وبالذات شركة الطيران البريطانية لما وراء البحار والتي مختصر اسمها هو BOAC British Overseas Airlines Corporation، ولكن في عام 1933 ، ولاسيما عندم استلم الملك الشاب غازي الأول العرش ، بعد وفاة الملك المؤسس فيصل الأول المفاجئة ذلك العام ، بدأ أول نشاط للطيران المدني العراقي حيث تأسست (جمعية الطيران العراقية) برعاية وعناية من الملك غازي، وغايتها نشر الوعي الجوي بين الشباب العراقي بالدرجة الأولى، وكانت جمعية ذات نفع عام تأسست بموجب قانون الجمعيات العراقي النافذ آنذاك. ساهمت الجمعية من خلال نشاطاتها ليس في نشر الوعي الجوي بين الشباب وحسب، بل في دعم وإسناد القوة الجوية العراقية الناشئة والتي كانت قد أسست في عام 1931 كما أسلفنا. وسنأتي على شكل هذا الدعم الأمثل في مكان لاحق من هذا المقال. بمرور الوقت وبحلول أعوام منتصف الثلاثينات وما بعدها أرادت الحكومة العراقية تعزيز القوة الجوية بطائرات حديثة، وقد ساهمت جمعية الطيران العراقية بشن حملة شعبية لجمع التبرعات ، وجمعت مبالغ قدمتها إلى وزارة الدفاع العراقية لتشتري بها عدد من الطائرات للقوة الجوية، وما تبقى من الأموال اشترت به الجمعية عدد من الطائرات المخصصة للنقل وباشرت بفعاليات النقل بين مدن العراق، ومثَّل هذا أول نشاط للطيران المدني في العراق. وبعد ذلك وفي نهاية عام 1945 أصدرت الحكومة قرارا بتشكيل الخطوط الجوية العراقية، والتي تم التحاقها بمديرية السكك الحديدية، وباشرت عملها يوم 28 / كانون ثان – يناير / 1946، وهو اليوم الذي اعتبر اليوم الرسمي لتأسيس الخطوط الجوية العراقية. لقد مرت أنشطة الطيران المدني في العراق ، والتي تجلت بالدرجة الأولى الخطوط الجوية العراقية خلال تاريخها منذ انطلاقها عام 1946، حتى يومنا هذا ونحن عام 2019 بمراحل عديدة، ويمكن تقسيم هذه المراحل بموجب العهود التي مر خلالها تاريخ الدولة العراقية الحديثة إلى:
1-العهد الملكي وحتى ثورة 14 تموز / 1958.
2-العهد الجمهوري وحتى عام 1990 حيث فرض الحصار على العراق بعد غزو الكويت ومن ثم ما تلاه من معارك وأحداث.
3- الفترة ما بين 2 آب 1990 إلى 17 آذار 2003 حيث الغزو الأمريكي للعراق
4- الفترة منذ 2003 وحتى يومنا هذا.
الغاية: إن الغاية من هذا البحث السريع هي استعراض بعض الخواطر والذكريات العامة والخاصة ذات العلاقة بأنشطة الطيران عموما والطيران المدني في العراق خصوصاً، مع نظرة خاصة إلى الخطوط الجوية العراقية ونشأتها العهد الملكي، مع التطرق إلى ما وراء ذلك عند الاقتضاء، وألقاء بعض الضوء عليها مع ذكر نبذة عن تأسيس الخطوط الجوية العراقية ومتابعة اهم مرتكزات تاريخها. وسأتناول ذلك تحت العناوين الرئيسية الآتية:
1- أنشطة الطيران المدني في العراق قبيل تأسيس الخطوط الجوية العراقية عام 1946
2- اهم المطارات المدنية في العراق
3- تأسيس الخطوط الجوية العراقية عام 1946 ومرتكزاتها
4- خواطر ومفارقات وذكريات عامة وشخصية ذات علاقة.
أولا : أنشطة الطيران المدني في العراق
قبيل تأسيس الخطوط الجوية العراقية عام 1946
1- الأنشطة الأجنبية للطيران المدني وتأسيس المطارات المدنية العراقية:
كانت شركات الطيران الأوربية هي أول من استخدمت الموانئ الجوية العراقية المثبتة في خارطة المسارات الدولية للممرات الجوية (International Air corridors) بين أوربا والشرق الأوسط وشرقي أسيا. وكان أول من مارس نشاط نقل المسافرين والبضائع إلى العراق هي الشركة الطيران البريطانية لما وراء البحار (BOAC) British overseas airlines المختصة بالنقل الجوي من بريطانيا إلى دول ما وراء البحار خارج أوربا. أما إلى أوربا فقد أعطت حق النقل إلى الدول الأوربية للشركة البريطانية (BEA) British European Airways.
2- تشكيل القوة الجوية الملكية وتأثيرها في نفوس الشباب العراقي
كانت الحكومة العراقية قد فكرت بعد تأسيس الجيش العراقي عام 1921 ، ان تنشأ قوة جوية لاستكمال متطلبات مكونات القوات العسكرية الحديثة آنذاك . وبعد مشاورات كثيرة مع سلطة الانتداب البريطانية ، وأخذ وجذب ، تم ارسال اول بعثة من الطلاب العسكريين العراقيين إلى بريطانيا للتدرب على الطيران في كلية القوة الجوية الملكية ( كرانويل) وذلك عام 1927، حيث بدأ تدريب ستة من المبتعثين العراقيين هناك يوم 1/ أيلول / 1927 . تتالت البعثات إلى بريطانيا، حتى بلغ عددها ثلاثة في بداية عام 1930 تضم عدد من الطيارين والفنيين، وقد بقي هؤلاء في بريطانيا لحين شراء الحكومة العراقية خمسة طائرات نوع جبسي موث في بداية عام 1931، وصدر القرار بجلبها إلى العراق طيراناً وبقيادة خمسة طيارين عراقيين من الذين انهو تدريبهم في بريطانيا. وفعلا فقد غادرت الطائرات العراقية بريطانيا في 8 نيسان 1931 ، ووصلت بعد رحلة استغرقت أسبوعين بسلام إلى معسكر الوشاش فــي الساعة الخامسة عصرا يوم 22 / نيسان / 1931 وقد استقبل الطيارين والطائرات الملك فيصل الأول وشقيقه الملك علي وشقيقه الأمير زيد ، ونجله ولي العهد الأمير غازي والمسؤولين في المملكة وجمع غفير من أهالي بغــداد والموصل والبصرة بمناسبة وصول الطائرات العراقية وقد أصبح تاريخ وصول الطائرات الخمسة للعراق عيدا للقوة الجوية العراقية وأصبح للشعب العراقي اهتمام أخر وهواية أخرى وخاصة في صفوف الشباب البغدادي. وكان الشباب يأتي إلى السياج الخارجي لمعسكر الوشاش لمشاهدة إقلاع وهبوط الطائرات العسكرية العراقية ، وتزايد الطلب على الانتساب إلى القوة الجوية العراقية بشكل كبير واصبح الشغل الشاغل أيضا للأمير غازي أبن الملك فيصل الأول وهواة الطيران هو مشاهدة الطائرات الجبسي موث والاحتكاك المباشر بالطيارين والاستماع إلى المحاضرات الخاصة بالطيران وكيفية إقلاع وهبوط وطيران طائرة الجبسي موث وتسليحها والمناورات الجميلة التي يقوم بها الطيارون العراقيون وقد شجع هؤلاء الضباط الطيارون الخمسة كثيرا الأمير غازي لأنشاء جمعية للطيران المدني في بغـــداد.
تأسيس جمعية الطيران العراقية
بعد وفاة الملك فيصل الأول نضجت لدى الملك غازي فكرة إنشاء جمعية أهلية مدنية مهمتها نشر الوعي الجوي بين الشباب العراقي باسم جمعية الطيران العراقية. صدرت الإرادة الملكية في 24 / 5 / 1933 بتأسيس جمعية الطيـــــران العـــراقية كجمعية أهلية من مؤسسات المجتمع المدني، وغايتها نشر الوعي والثقافة الجوية بين الشباب العراقي الناشئ في المملكة العراقية الفتية. وقد مارست الجمعية نشاطاتها المختلفة وكانت لها هيئة إدارية من خيرة رجالات المجتمع وقادته، وبرئاسة المرحوم مولود مخلص باشا. واتخذت مقرا لها فيما اصبح يعرف فيما بعد بساحة الطيران، وكما مبين بالصورة أدناه. وقد كان ارتباط الجمعية أول الأمر بوزارة الدفاع كي تتمكن من تقديم التسهيلات المطلوبة لها من النواحي الفنية والإدارية، واستمر الوضع هكذا لعدد من السنين، بالرغم من كون الجمعية هي جمعية مدنية اساساً كما نصت عليه الإرادة الملكية الخاصة بتأسيسها. وكانت هيئتها الإدارية برئاسة مولود مخلص باشا، وعضوية نخبة من رجالات السياسة، وقادة المجتمع وبعض العسكريين .
استمر الوضع هكذا حتى عام 1938 حيث أجريت اول انتخابات للهيئة الإدارية للجمعية، والتي فاز نتيجتها مولود مخلص باشا ثانية برئاستها، والقيت الكلمات المناسبة فيها، كما تم ترشيح أعضاء جدد لعضوية هيئتها الإدارية . الشكل رقم (1) صفحة من مجلة الطيارة العراقية لعام 1938.
صورة رقم (3) الساحة الامامية لموقع مقر جمعية الطيران العراقية بعد تأسيسها والذي يبدو في مؤخرة الصورة
شكل رقم(1) صفحة من جريدة الطيارة العراقية التي كانت تصدر عام 1938
جمعية الطيران تساهم في شراء الطائرات الى القوة الجوية من مبالغ التبرعات الشعبية
في عام 1938 كان الشعور الوطني والقومي على أوجه في العراق، وفي عهد المغفور له الملك غازي، حيث كانت الحركة القومية على أشدها، وكانت المشاعر ضد الإنجليز في أقصاها ولاسيما حول موضوع تسليح الجيش وتجهيزه الذي كان حكرا على الأسلحة البريطانية كما نصت عليه بنود معاهدة 1931. وعندما قامت حركة الفريق بكر صدقي، فقد كان مهتما بتوسيع الجيش وتنويع مصادر سلاحه، ولاسيما القوة الجوية العراقية. اتجه العراق نحو إيطاليا للحصول على الطائرات الحربية المتطورة آنذاك من المقاتلات القاذفة نوع بريدا، والقاصفة ذات المحركين نوع سافويا. وقد وافقت إيطاليا على تزويد العراق فورا بخمس عشرة طائرة مقاتلة نوع بريدا، وثلاثة قاصفات نوع سافويا، بشرط ان يقوم العراق بتسديد أثمانها نقدا وفور التسليم. ولما لم تكن الموارد المالية متوفرة لدى الحكومة العراقية، فقد قام الملك غازي بإطلاق ما عرف بمشروع ( الفلس) وهو مشروع لجمع التبرعات من الشعب العراقي لتمويل مشتريات القوة الجوية الملكية من الأسلحة الإيطالية التي لم تكن تقتصر على الطائرات وحسب والتي هي مجال بحثنا هنا ، بل شملت أيضا دبابات خفيفة من نوع (انسالدو) ومدرعات وبعض الأسلحة الخفيفة . المهم بالأمر تعهدت جمعية الطيران العراقية آنذاك بإدارة وتنفيذ هذه الحملة الشعبية لجمع التبرعات للحصول على المبالغ اللازمة. وفعلاً فقد نجحت الحملة بذلك وتم جمع تلك المبالغ وتم شراء الأسلحة والمعدات ومنها الطائرات الحربية المشار اليها إلى القوة الجوية العراقية. والمبينة تصاويرها أدناه:
صورة رقم (4) طائرة بريدا المقاتلة القاصفة
صورة رقم (5) سرب طائرات بريدا العراقية بأكمله
صورة رقم ( 6) طائرة السافويا العراقية منظر جانبي
صورة رقم ( 7) السافويا العراقية – منظر امامي مقرب
صورة رقم ( 8 ) السافويا العراقية محلقة فوق نهر دجلة ومعسكر الرشيد عام
1938
جمعية الطيران تشتري طائرات نقل مدنية
وقد بقي مبلغ مقداره 23000 دينار عراقي لدى جمعية الطيران من حملة التبرعات، ويساوي نفس المقدار بالباون الإسترليني آنذاك. لذا اجتمعت الهيئة الإدارية للجمعية المذكورة يوم 18 / 5 / 1938 وكانت برئاسة المرحوم مولود مخلص باشا، وقررت أن تشتري بالمبلغ المذكور طائرات نقل متعددة الأغراض من بريطانيا، ووقع الاختيار على طائرات دي هافيلاند دراكون-رابيد De Havilland Dragon Rapid،
صورة رقم ( 9 )
طائرة رابيد وهي واحدة من الثلاثة طائرات التي وصلت العراق وشكلت اول خطوط جوية في العراق وكانت جمعية الطيران العراقية هي من تشغلها. يرجى ملاحظة أن الواقفين أمام هذه الطائرة كلهم من العسكريين طيارين وفنيين، وهذا يدل على مدى العلاقة الوثيقة بين الجمعية ووزارة الدفاع آنذاك ، وكانت هذه العلاقة سبب رئيسي من أسباب نجاح الجمعية ومضيها قدماً في الماضي والحاضر ، وقد أشار إلى ذلك أيضا مولود مخلص باشا في خطابه يوم انتخاب الهيئة الإدارية الجديدة والمبين في الشكل رقم ( 1 ) .
وكانت الرابيد طائرة نقل خفيفة متعددة الأغراض مزدوجة الأجنحة وذات محركين . وصلت الطائرات الثلاثة إلى بغداد يوم 1 / 10/ 1938، فاستلمتها جمعية الطيران العراقية. وقد تقدمت جمعية الطيران العراقية إلى الحكومة بطلب للموافقة على إنشاء خطوط جوية للعمل داخل القطر مما حدي بالحكومة إلى تقديم مشروع لتعديل قانون البريد لتمكين مصلحة البريد من التعامل مع هذه الخطوط المزمع تأليفها وهكذا باشرت الجمعية بتسيير رحلات إلى المدن العراقية الموصل والبصرة والسليمانية وفي وقت لاحق إلى إيران وسوريا. وقد بقيت الحال هكذا حتى عام 1945.
انتخاب هيئة إدارية جديدة للجمعية
في عام 1940 أجريت انتخابات لهيئة إدارية جديدة لجمعية الطيران العراقية ، نبين في أدناه إشارة لها في صفحة من صفحات مجلة الطيارة المنتشرة جماهيريا آنذاك ، ومن الجدير بالذكر أن موازنة الجمعية قد تُليت على الهيئة العامة قبل الانتخابات ، والتي بينت واردات الجمعية لعام 1939 ، ومصروفاتها ، وكما سيراها القارئ اللبيب ، وسيلاحظ أيضا أن مبلغ 15750 ديارا قد دُفع إلى وزارة الدفاع لشراء طيارات ولوازم حربية أخرى ، وبقي فائض لدى الجمعية مقداره اكثر من 4400 ديناراً . هذه حالة جديرة بالملاحظة واخذ العبرة والدروس والاستنتاجات منها.
الشكل رقم ( 2 ) صفحة من مجلة الطيارة الصادرة في بغداد عام 1940
ثانيا : اهم المطارات المدنية في العراق
1- مطار الحبانية : كان المطار العراقي المثبت على خارطة المسارات الجوية الدولية هو مطار الحبانيه في العراق والذي أنشأته السلطات البريطانية لخدمة القاعدة البريطانية فيها وهو مخصص للطائرات البريطانية فقط.
2- مطار البصرة : أما طائرات الدول الأوربية الأخرى والتي تسير رحلاتها من أوربا إلى نقاط في آسيا وشرق آسيا فقد خصص لها مطار البصرة وكان موقعه مثبتا في تلك الخرائط والذي خصص لخدمة الطائرات البريطانية علاوة على الطائرات الدولية الأخرى ، وتقديم الخدمات والسيطرة الجوية لمنطقة الخليج والسعودية وايران التي كانت تتمركز فيها القواعد الجوية البريطانية آنذاك . بعد ثورة ١٤ تموز اضمحلت أهمية مطار البصرة لعدم تطويره وتزويده بالمعدات والأجهزة الحديثة، وزيادة اهتمام إيران في عهد الشاه بأنشطة الطيران المدني، حيث تم تطوير مطار عبدان لخدمة الطائرات في المنطقة، وتلتها السعودية بعد تنامي المصالح الأمريكية فيها مما أدى إلى قرار المنظمة الدولية للطيران المدني (الإيكاو) بتغيير المسارات الجوية إلى مطار عبدان والمطارات السعودية.
صورة رقم (10) بناية مطار البصرة عام 1953 والتي كانت ملحقة بمصلحة الموانئ العراقية كما تشير اليه اللافتة. يرجى ملاحظة ان بناية مطار البصرة مؤلفة من ثلاثة طوابق في حين ان بناية مطار بغداد من طابقين فقط
3- مطار غربي بغداد : (مطار المثنى حاليا) تم فيما بعد اختيار مطار في بغداد وفي المنطقة الغربية منها لذا سمي بمطار غربي بغداد ويكتب بالإنجليزية (BGW) BAGHDAD WEST وهذا يفسر لنا لماذا أصبح رمز مطار بغداد منذ ذلك الحين وحتى الأن هو (BGW). وفيما يأتي بعض التفاصيل المتعلقة بالمطار المذكور . أنشئ أول مطار مدني في العراق سنة 1933، وسمي الميناء الجوي في بغداد وحاليا يدعى باسم (مطار المثنى) وكان آنذاك من أروع ثلاث موانئ جوية في العالم من حيث السعة، والكفاءة والتجهيزات ويقع في غربي بغداد. افتتح الملك فيصل الأول 1921-1933 ” المطار المدني في احتفال كبير وقد أعجب الزوار الأجانب الذين حضروا من مختلف بلدان العالم بالمطار.
4- وجدير بالذكر أن لبناية المطار هذه، بناية مماثلة لكنها أكبر قليلا ً مؤلفة من ثلاثة طوابق ، أنشأتها نفس الشركة بنفس الوقت، ألا و هي بناية مطار البصرة والتي مازالت قائمة لحد الآن، وكان في مطار البصرة كذلك مكتبة وفندق على الطراز الغربي مجهز بكل أسباب الراحة يؤمه المسافرون بالطائرات وكان في الفندق غرف كثيرة للنوم والراحة والانتظار عدا الحمامات النظيفة والمزودة بالمياه الساخنة والباردة. وقد اعتنت إدارة الفندق بحدائقه وساحاته، وتكاد تكون نسخة محسنة منها. راجع الصورة رقم (9) .
صورة رقم (11) مطار بغداد المدني تحت الإنشاء عام 1932
صورة رقم ( 12 )
صورة نادرة لمطار غربي بغداد المثنى حالياً يوم افتتاحه عام 1933 وهذه الصورة ملتقطة من جهة شارع 14 تموز الحالي وباتجاه بناية المطار حيث تبين الساحة الكائنة أمام المدخل، و على الجانب البعيد منها يظهر صف من الطائرات التابعة للقوة الجوية العراقية، وخلفه المنطقة المفتوحة تماما آنذاك والتي اشغلتها فيما بعد معسكر الوشاش ، ثم منتزه الزوراء حاليا ، كما يظهر في عمق الصورة المنطقة التي يشغلها معرض بغداد الدولي حاليا وامتداد الشارع إلى مدينة اليرموك وأبو غريب .
صورة رقم ( 13 )
لمطار غربي بغداد المشار اليه أعلاه يوم افتتاحه عام 1933 وهي ملتقطة لبناية المطار من اتجاه المدرج وتبدة البناية بوضوح وتبدوا حدائقها الأمامية وقد ازدحمت بالكراسي والحاضرين للاحتفال وقسم منهم فوق سطح البناية أيضا . وتبدو على الجهة البعيدة بعض الأبنية التي مكانها الآن بناية المحطة العالمية للسكك الحديدية في بغداد وعلى الجانب الأيمن يبدو الطريق المؤدي إلى أبو غريب وعليه بعض السيارات وإلى جانبه البعيد المكان الذي انشأ عليه معسكر الوشاش فيما بعد ( منتزه الزوراء حالياً)
صورة رقم (14 ) مدخل مطار بغداد نهاية الأربعينات من القرن العشرين لاحظ موديلات السيارات الواقفة أمامه
صورة رقم (15 ) بناية المطار المدني في بغداد في أواخر الخمسينات من القرن الماضي ، منظر من اتجاه ساحة وقوف الطائرات
ألحقت إدارة المطار المدني ببغداد أولا بوزارة الاقتصاد والمواصلات، ولكن في عام 1934 تم الحاقه بوزارة الدفاع. كان المطار مؤلف من طابقين يحتوي كل منهما ثلاث صالات كبيرة وغرف أخرى عديدة يشغل بعضها الدوائر العائدة للمطار والدوائر الملحقة به كدائرة للبريد والبرق ودائرة للجمرك وأخرى للشرطة ورابعة للصحة وللرصد الجوي ولللاسلكي. وجاء في الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 أن إدارة المطار زودته بمصابيح وهاجة قوية جدا تضيء ساحة المطار ليلا وقد استخدمت في المطار أحدث التجهيزات التي عرفتها المطارات الدولية آنذاك .
صورة رقم ( 16 ) لمودعون يجلسون في حديقة المطار المدني عام 1970 وأمامهم ساحة وقوف الطائرات ويلاحظ الطائرة النفاثة نوع كونفير التابعة للخطوط الجوية السويسرية
وصف مفصل للمطار المدني مع أسماء بعض الشخصيات العاملة
ويذكر الأستاذ الخطيب الاتي : أما بناية مطار بغداد المدني (المثنى حاليا) فقد كانت عبارة عن قاعة للاستقبال بطول خمسين مترا وعرض عشرين مترا تحتوي على جميع مكاتب شركات الطيران العالمية المتواجدة في بغداد وكذلك دائرة ل لجمارك ودائرة الجوازات وقاعة لاستراحة الشخصيات المهمة وبار للمشروبات الكحولية والغازية وكذلك مطعم وفي داخله غرفتان صغيرتان لجلوس مسافري الترانزيت، أما في الطابق الثاني من البناية فعلى اليسار دائرة الأنواء الجوية التي يرأسها المرحوم توفيق فتاح ، ثم دائرة الهندسة التي يرأسها المرحوم المهندس عبدالقادر حسن ولديه من المهندسين الأكفاء الذين تستعين بهم إدارة المطار ثم تأتي إدارة المطار المدني، غرفة مدير مطار بغداد حيث كان مديرها الطيار المرحوم مدحت عبدالرحمن العبيدي، ومعاونه الحقوقي والملحن المشهور علي حسين الذي اسمه الفني علاء كامل، ثم هناك غرفة المدير العام للطيران المدني الذي كان يرأسها في أول الأمر المرحوم اكرم مشتاق ثم جاء بعده العميد الركن المرحوم شاكر محمد رامز ثم جاء بعدة اللواء الطيار عبد الحق العجيلي . ومن أبرز مأموري كمارك المطار في العهد الملكي هو الملحن والمغني المشهور في وقته المطرب محمود كريم، وكذلك النجم التلفزيوني صاحب الكثير من التمثيليات الدرامية والتلفزيونية الفنان شكري العقيدي، حيث كان موظفا في كمارك مطار بغداد المدني. أما دائرة الإطفاء وخدمات الطيران من التزود بالوقود وغيرها فكانت من اختصاص الطيران المدني، أما في الجهة اليسرى من المطار فكان مقر بناية جمعية الطيران العراقية التي كان مديرها المرحوم مولود مخلص باشا ومساعده مدرب الطيران نوري الجنابي وكانت لديهم أربعة طائرات خفيفة ذات المحرك الواحد نوع أوستر حيث يعملون على تعليم الراغبين من الذكور والإناث قيادة الطائرة وبأجور رمزية بسعر ثلاثة دنانير للساعة الواحدة حيث تخرج الكثير من الشباب على يد هؤلاء الرجال المخلصين .
صورة رقم ( 17 ) العقيد الطيار المتقاعد اكرم مشتاق مدير الطيران المدني العام
صورة رقم ( 18 ) اكرم مشتاق يوقع اتفاقية مع ممثل منظمة الطيران المدني الدولية
صورة رقم ( 19) اكرم مشتاق مدير الطيران المدني وصباح نوري السعيد مدير الخطوط الجوية العراقية في بناية مطار بغداد المدني في احدى المناسبات
———
1-يقع هذا المعسكر الى الجنوب مباشرة من المطار المدني في بغداد ( مطار المثنى حاليا) ويسمى مكانه هذه الأيام بمنتزه الزوراء .
2-من مقتنيات السيدة أميمة مشتاق ، كريمة الطيار اكرم مشتاق .
3-من كتاب التاريخ الرسمس للقوة الجوية العراقية ، اصدار وزارة الدفاع ، قيادة القوة الجوية ، ومديرية التطوير القتالي ، بغداد 1988
4-لابد من ان نذكر ان أنشطة الطيران المدني في العراق لا تقتصر على الخطوط الجوية العراقية، بل هي تشمل أنشطة الرياضات الجوية والتي تولتها جمعية الطيران العراقية والتي تطرقنا إلى بعض جوانبها، والى أنشطة الطيران الزراعي، وهو جانب مهم جدا من جوانب الطيران المدني لبلدنا العراق الحبيب ، لكنني لم أتطرق له في هذه العجالة لأسباب كثيرة ، تاركا لذوي الاختصاص ولمن هم اكثر قدرة مني ولديهم معلومات اكبر على نشر ما لديهم في هذا المجال المهم .
5-الأستاذ إسماعيل خليل ، محاورة بواسطة برنامج الواتس أب يوم 23 / 3 / 2019 .
6-إسماعيل خليل ، نفس المصدر
7-ملاحق جريدة المدى ، ذاكرة عراقية ، الرابط ،
http://www.almadasupplements.com/news.php?action=view&id=4639
8-الصورة مقدمة من الكابتن مهدي العبيدي بواسطة الوات ساب يوم 11 / 4 / 2019 ، فله الشكر والتقدير.
من الكابتن مهدي العبيدي مشكورا.
9-الكاتب خالد الخطيب ، الطيران المدني في العهد الملكي في العراق ، مجلة الكاردينيا الالكترونية الرابط الاتي
https://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-
10-مجلة الطيارة عدد تشرين ثان 1940 ، جاء فيها ( الخطوط الجوية لجمعية الطيران العراقية ، رفعت الحكومة الى مجلس النواب لائحة التعديل الرابع لقانون البريد ، وقد جاء في الأسباب الموجبة لهذا التعديل انه حيث بات في نية جمعية الطيران العراقية تأسيس خط جوي داخل القطر لنقل البضائع والركاب وليتسنى لمديرية البرق والبريد العامة تعيين الأجور الإضافية من وقت لآخر اقتضى وضع هذا التعديل ) ،
11-إسماعيل خليل ، المصدر السابق .
12-إسماعيل خليل ، المصدر نفسه.
13-إسماعيل خليل ، نفس المصدر .
خالد الخطيب ، مصدر سابق
14-الصورة من مجموعة السيدة أميمة اكرم مشتاق ، كريمة المرحوم اكرم مشتاق وهو احد الطيارين الخمسة الأوائل في العراق ، والذي اصبح في وقت لاحق مديرا للطيران المدني العام
15-من مجموعة السيدة أميمة مشتاق كريمة المرحوم اكرم مشتاق، المصدر نفسه .
16-الدكتور إبراهيم خليل العلاف جامعة الموصل . مجلة الكاردينيا الإلكترونية، من تاريخ الخطوط الجوية العراقية ، الرابط ادناه
https://www.algardenia.com/mochtaratt/23319-2016-04-23-12-06-06.html
17-الخطيب نفس المصدر
18-الخطيب، مصدر سابق
19-من مجموعة السيدة أميمة مشتاق كريمة المرحوم أكرم مشتاق.
20-نفس المصدر .
منقول من مجلة الكاردينيا الغراء
التعليقات
تحية طيبة …موضوع غاية في الاهمية يلقي الضوء لتاريخ انشاء الخطوط الجوية العراقية ..بدور الموقع يشكر السيد اللواء الركن علاء الدين حسين مكي خماس على هذا الموضوع المهم مع التقدير والاحترام
اترك تعليقك