وصورة اخرى من بطولات فرسان طيران الجيش
4 فبراير , 2014يرويها احد فرسانه
الجزء – 2
بعد انتهاء عملية (تحدي) الاسم الرمزي لملحمة كردمند وهي أجرأ واصعب عملية انزال بواسطة السمتيات حيث تم الانزال الرأسي المباشر على قطعات العدو في قمة جبل كردمند يوم 28 – 7 – 1983 بعد فشل القطعات الارضية في استعادة القمة المشرفة على محور (جومان-كلالة- حاج عمران) بسبب وعورة المنطقة (وسيأتي الحديث عن العملية في وقت لاحق انشاء الله).
عُدت الى مقر السرب 106 (BO105 ) في التاجي يوم 30/7/1983 مع ابقاء مفرزة من طائرتين في مطار كي – 1 بكركوك للقيام بالواجبات التي قد تكلف بها في قاطع الفيلق الاول شمال العراق .
قام العدو الايراني بالتعرض على قطعاتنا في قاطع اللواء417 في بدرة وجصان حيث تمكن من محاصرة الفوج الاول لهذا اللواء في منطقة مخفر الجبل وصمد الفوج ببطولة وشهامة في مواضعه ورفض التسليم للعدو رغم انقطاع جميع المسالك مع قطعاتنا.
شاركت مفرزة من السرب/106 المتواجدة في معسكرالمنصورية (الفيلق الثاني) مع بقية مفارز الاسراب للطائرات السمتية الغزال ومي/ 25 ومي/8 في تقديم الاسناد لقطعات هذا الفيلق ولحين احتواء الهجوم لتنصب اهتمامات القيادة بفك الحصار عن الفوج البطل الصامد في مواضعه رافضا نداءات العدو بالتسليم ، حيث قامت قواتنا بالتعرض على قطعات العدو لفك الحصار دون جدوى لوعورة المنطقة .
صدرت الاوامر لادامة تموين الفوج المحاصر بالعتاد والمواد الغذائية لتعزيز صموده لحين التمكن من تأمين المسالك للوصول اليه بغية سحبه الى المناطق الامنة ، قامت وحدة الادامة الجوية للقوات الخاصة بالتعاون مع القوة الجوية بتنفيذ طلعة بطائرة (اليوشن/76 ) لالقاء مواد الادامة الى الفوج المحاصر بواسطة المظلات ليلا حسب السياقات المتبعة وبعد تنفيذ الواجب اخبر الفوج المحاصر بان الرياح ابعدت المظلة وسقطت مواد التموين خارج موقع الفوج.
اصرت القيادة العامة للقوات المسلحة على ادامة تامين الفوج المحاصر وقد اقترح مدير حركات طيران الجيش العميد الطيار محمد عبدالله الشهواني بان ينفذ الواجب بواسطة طائرة مي/ 8 لنقل الحمولة ترافقها طائرة / BO-105 من السرب 106 تكون في المقدمة كونها مجهزة باجهزة ملاحية متطورة حينها تتمكن من الوصول الى الهدف بدقة وينفذ الواجب ليلا بعد اخبار الفوج المحاصر ببدأ التنفيذ كي يكون على استعداد لاستلام الحمولة وفعلا نفذ الواجب من قبل الطيارين (أ) و(ر) بطائرة بي او 105 والطيار (ع) والطيار (؟) بطائرة مي/8 على ان تلقى الحمولة بدون مظلة لتفادي انحرافها بتاثير الريح وتم الوصول الى المنطقة المطلوبة رغم المقاومة الكثيفة من اسلحة مقاومة الطائرات المعادية التي كانت ترمي عشوائيا باتجاه صوت الطائرات كون مصابيحها الملاحية غير مناره وهذا ايضا يشكل خطورة على التشكيل…. وفعلا عندما اشر مؤشر (الدوبلر) لجهاز الملاحة بالوصول الى النقطة (صفر) فوق مقر الفوج اوعز لطيار طائرة المي/8 بحساب الوقت الملائم حسب الايجاز المسبق لالقاء الحمولة وتم التنفيذ والقيت الحمولة وعادت الطائرتين الى بدرة بسلام…. الا ان الفوج ايضاً نفى وصول الحمولة !!
في اليوم التالي صدرت اوامر رئيس الجمهورية بحجز الطيارين المنفذين لواجب إيصال الحمولة مع بعض ضباط القطعات الارضية احدهم امر لواء من الالوية التي حاولت فك الحصار عن الفوج المحاصر وفشلت محاولته بالاضافة الى عدد من ضباط اللواء المكلف بالدفاع عن المنطقة الذي كان الفوج المحاصر ضمن قطعاته .
في صباح هذا اليوم فقدنا الشهيد النقيب الطيار سحاب سيد وادي الذي اصيب اصابة مباشرة وسقطت طائرته (BO-105) لكونه كان يقوم بالواجب منفردا دون طيار ثاني وصلني الخبر صباح يوم 4-8-1983 فقررت الذهاب الى بدرة مستصحبا طائرة اخرى لتعويض طائرة الشهيد سحاب، وبعد التعرف على المشاكل التي حدثت وتقوية معنويات الطيارين المحتجزين عُدت الى التاجي بعد ترك الطائرة الثانية لتعويض الطائرة المفقودة علما بان المفرزة كانت بطائرتين وبذلك لا داعي لتواجدي في بدرة فلدي عدد من المفارز في كركوك والعمارة والبصرة تستدعي ادامتها.
يوم 6–8 تقرر القيام بالتعرض لفك الحصار وتم تعزيز الطائرات السمتية الساندة باربع طائرات من سربنا ( السرب 106 المجهز بطائرات BO-105) فذهبت الى بدرة مع التعزيز ووصلتها مع الضياء الاول ليوم 6 –8 وبعد معركة شرسة لم تتمكن قطعاتنا المهاجمة من الوصول الى الفوج المحاصر ، لتصدر الاوامر بوجوب ايصال الادامة الى الفوج المحاصر باي ثمن تعزيزا لصموده ، فتقرر ان يكون التموين نهارا وبطائرة مي /8 والقبول بالخسائر المحتملة والتي هي شبه اكيدة….تم تحميل الطائرة بقيادة الملازم الاول الطيار البطل مصطفى عيسى الحديثي وتوجه الى الهدف بارتفاع عالي لتفادي الاسلحة الارضية الخفيفة والمتوسطة وبكل اقدام وبطولة استمر برحلته ونحن نراقب النار الكثيفة التي فتحت عليه والانفلاقات حوله حيث ان المنطقة ليست بعيدة جدا وعند وصوله فوق الهدف دخل في الدوران الذاتي كي يتمكن من الهبوط راسيا وسريعاعلى الهدف مباشرة ثم القى الحمولة وعاد للتسلق الراسي فوق الهدف كونه منطقة امنة بسيطرة الفوج المحاصر ولحين الوصول الى الارتفاع المقرر ليبدأ رحلة العودة التي لم يكملها فقد اصيب اصابة مباشره واشتعلت النيران بطائرته مما ادى الى استشهاده مع الطاقم المرافق له واخبرنا شاهد عيان من القطعات الارضية الامامية بان احد افراد الطاقم القى بنفسه من الطائرة ليسقط على الارض شهيدا رحم الله تعالى ابطال هذه الطلعة الاستشهادية (اذكر ان الواجب كان بطائرتين مي / 8 ولكن بعض التاكيدات تقول طائرة واحدة وكما اذكر ان الطائرة الثانية عادت بسلام ) المهم هنا ان الواجب نفذ وخسرنا طائرة واحدة مع طاقمها ،استمرينا في عملية مشاغلة العدو بالطائرات وبقية الاسلحة لذلك اليوم واليوم التالي لاجل الضغط على العدو وعدم تعرضه على الفوج المحاصر.
يوم 8 – 8 -1983 مع الضياء الاول قمت بتنفيذ الطلعة الاولى حسب السياقات اليومية المتبعة بتشكيل من طائرتين ( BO 105) من السرب 106 ومعي في الطائرة الثانية الطيار (ح) مع تشكيل اخر بطائرتي غزال بقيادة الطيار (م) كل في منطقة غير بعيدة عن الاخر للاستطلاع ومعالجة اية اهداف قد تصادفنا.
وعند المراقبة وبسرعة قليلة وارتفاع واطيء فتحت علينا النيران من مسافة قريبة مع سقوط رشقة من المدفعية قريبة جدا من طائرتي مما ادى الى سقوطها وارتطامها بالارض بشدة دون ان افقد السيطرة عليها ونجحت بالارتفاع بها عن الارض مع فقدان عمل منظومة الهيدروليك ومحور السيطرة على المروحة الخلفية وامتلاء المقصورة بالدخان وكنت اقود الطائرة منفردا واسمع صوت قائد الطائرة الثانية (ح) المضطرب مستفسرا عن حالتي وبعد ان اطمأنيت على حالة الطائرة وسيطرتي عليها بشكل جيد اجبته بان الامور تحت السيطرة و قررت التخلص من الصواريخ التي احملها والعودة الى بدرة مع الحذر الشديد من تطور الحالة واما حالة فقدان السيطرة على المروحة الخلفية وعطل منظومتي الهيدروليك حيث حاولت تشغيل المنظومة الاحتيا طية وكانت ايضا مصابة فهذه الحالة الاضطرارية قد تدربت ودربت عليها الطيارين بعشرات المرات فلا خطورة منها…. خلال العودة طلبت من تشكيل الغزال مرافقتي ومراقبة طائرتي من الجهة المخالفة لموقع طائرة التشكيل الثانية وهنا اخبرني (م) بان زلاقات النزول للطائرة (سكدات ) من جهة هابطة والاخرى مرتفعة نتيجة الارتطام الشديد بالارض وهنا مكمن الخطورة فلا يمكن النزول وملامسة الارض بها في الحالات الاعتيادية بسبب الميلان الشديد وحتمية انقلابها فما بالك وعطل المروحة الخلفية والتي توجب الهبوط بسرعة امامية وعدم امكانية التعلق واستخدام قوة عالية لكون استخدامها يجعل الطائرة تدور بسرعة حول محورها العمودي وفقدان السيطرة عليها وسقوطها وحتمية تحطمها ، طلبت من المسيطرالجوي الطيار (ر) في شقة نزول بدرة ان يهيء لي صنايق عتاد فارغة يرصفها بطبقتين في الجهة اليسرى جهة ارتفاع الزلاقة (السكد)الايسر مع مراعاة اتجاه النزول واتجاه الريح وبطول كافي للمناورة على مدرج النزول كي استطيع الهبوط بالطائرة على الزلاقتين ومعالجة ارتفاع الزلاقة اليمنى بالاستناد على الصناديق للجهة اليسرى وهي مهمة صعبة جدا ولكن لا حل سوى هذه المجازفة بعد ان اعلمته بالاضرار التي اصابت الطائرة (كونه احد الطيارين ويستطيع تفهم الحالة التي انا بها وكان ممنوع من الطيران لاسباب صحية فساهم كمسيطر جوي في المعركة).
خلال رحلة العودة استذكرت هيكل الطائرة وطريقة ربط زلاقات النزول ( سكدات) للطائرة بجسم الطائرة فاستذكرت بانهما مربوطتين بمحور واحد اي انهما يرتفعان وينخفضان سوية …. لذا قررت المجازفة بالهبوط القاسي على الارض املا في ان يؤدي ارتطام الزلاقة العالية بعد ملامستها الارض اولا اعادة الزلاقة الواطئة الى حالتها الطبيعية او قريب منها وهذا الحل هو اسلم من الحل الاول (صناديق العتاد الفارغة) وفعلا وبعد تهيئة عجلة الاسعاف والحريق والرافعة التي امنها مشكورا رفيق السلاح (ر) قمت بهذه العملية وملامسة الارض بشدة وبسرعة امامية قليلة لتامين قوة رفع تغنيني عن تغيير قوة الرفع ودوران الطائرة(علما بان هناك فرصة واحدة فقط للنزول ولا يمكن اعادة محاولة النزول مرة اخرى ) وحدث ما توقعته فحال ارتطام زلاقة النزول اليمنى بالارض بشدة عادت الزلاقة اليسرى الى حالتها الطبيعية وتم تعديل زلاقات النزول وملامسة الارض بسلام وسارعت الى اطفاء المحركات…..وهنا توضح لي الفرق بين الطيار وسائق الطائرة (حيث ان الطيران علم متكامل )وكذلك التاكيد على الدرجة الكاملة لاجتياز اختبار الحالات الاضطرارية واهمية فسحة الوقت للتفكير.
في اليوم التالي وفي منطقة مخفر الدراجي اصيبت طائرة معاون امر السرب 106 (أ) وسقطت قرب المخفر وتم انقاذه من قبل الطائرة الثانية بقيادة الطيار( ع ف )وتم سحب الطائرة بواسطة ناقلة الدبابات وتم بعدها شحن الطائرتين الى الشركة المصنعة في اسبانيا ….وبعدها بسنتين ذهبت الى اسبانيا لفحص الطائرتين واستلامهما بعد تصليحها واوجزت مع الشريط الفديوالذي عرض علي بما حصل للطائرتين وخطورة الاصابات التي اصابتهما (ولهذا الايجاز والشريط حكاية اخرى سياتي ذكرها لاحقاً).
وبعد ذلك بدات اشعر بالم شديد في ظهري نتيجة الحادث ولكني فظلت البقاء في بدرة لحين انتهاء المعركة دون ان انفذ اي واجب لحين عودتي الى السرب يوم 10 -8 بعد انتفاء الحاجة من التعزيز وخلال خط الرحلة و قبل الغروب فوق جزيرة بغداد السياحية التي كانت مكتضة بالعوائل سالني الطيار الثاني النقيب الطيار ياسين جاسم العبود السامرائي الذي وصل بعدها الى عميد ركن ومعلم طيران وهو من الابطال المرموقين في السرب (هل يعلم هؤلاء الناس بما نحن فيه وهل يشعرون بالمخاطر التي مرينا بها خلال الايام السابقة؟ )اجبته نعم فمن الممكن بعد وصولي الى البيت بعد ساعة من الان ان يطلب مني اولادي الذهاب الى مدينة الالعاب في هذه الجزيرة فاكون هناك وقبلها بساعات كنت في ميدان المعركة وهكذا هي الحياة!! توفي هذا الطيار البطل الشهم في عام 1995 نتيجة مرض عظال رحمه الله تعالى.
ونتيجة الفحص الطبي والاشعة ظهر وجود كسور في الفقرات القطنية للعمود الفقري مما استدعى رقودي في المستشفى للعلاج ومنحي اجازة مرضية ثم منع طيران لغاية منتصف شهر تشرين الثاني وعدت الى مزاولة الطيران بعد اصراري على العودة للطيران بسبب وصول مدفع 20 ملم بلجيكي للتركيب على الطائرة وعلي فحصه واستلامه فقد سمح لي بالطيران (وللمدفع وفحوصة رواية اخرى سياتي ذكرها في وقتها).
نعود الى مصير الفوج المحاصر والطيارين المحتجزين فخلال احتجازالطيارين مع ضباط القطعات الارضية في غرفة واحدة استدعي ضباط القطعات الارضية المحجوزين ونفذ بهم قرار الاعدام امامهم مما ادى الى اصابتهم بالرعب عانى احد الطيارين منه لسنوات طويلة بعدها ، ونتيجة لوساطة ورجاء مدير الحركات العميد محمد عبدالله الشهواني وقربه من وزير الدفاع الفريق الاول الركن عدنان خير الله طلفاح حينها تم ارسالهم الى مقر السرب ومعهم طياري المي/8 واحتجزوا هناك بانتظار القرار حول مصيرهم وتحملت مسؤليتهم وساعدتهم بالنزول الى عوائلهم منفردين بحجة مراجعة مستشفى القوة الجوية والمبيت عند عوائلهم وكانو ومنتسبي السرب على قدر عالي من المسؤولية من حيث الكتمان .. من جانبهم كان الطيارون المحتجزون يلتزمون بالتوقيتات وغالبا ما كنت ارسلهم بالعجلة العسكرية المخصصة لي لتكون بخدمتهم واستعمل عجلتي المدنية بدلا عنها…بقي الطيارون المحتجزون لحين صدور قرار باحالتهم على التقاعد لنتنفس الصعداء فقد كنا نخشى ان ينفذ بهم الاعدام ، وبعد اقل من سنة اعيدوا الى الخدمة في اسرابهم بعد جهود العميد محمد عبدالله ووزير الدفاع كون مدير الحركات محمد عبدالله شعر بانه هو من كلفهم بهذا الواجب وكان على يقين بتنفيذهم الواجب بشكل صحيح وشجاعة نادرة وكذلك كان يقدر فعاليات السرب وله علاقة جيدة معنا.
اما مصير الفوج المحاصر فبعد فشل جميع محاولات الوصول اليه وفك الحصار عنه تقرر ان يقوم بالانسحاب من خلال المعركة وتم له ذلك بعد ان قدم خسائر جسيمة خلال الانسحاب ورفض التسليم للعدو وعاد عدد قليل من منتسبي هذا الفوج البطل واستشهد اكثرهم بموقف بطولي يفوق الخيال ، وخلال التحقيق مع الناجين من ضباط الفوج ظهر ان جميع الحمولات المرسلة اليهم جوا كانت تصلهم وكانوا ينكرون استلامها املا في المزيد!!!!! وهذا ما دعى الى عدم اعدام الطيارين واحالتهم الى التقاعد ثم اعادتهم للخدمة وبذلك انتهت معركة ومواقف متميزة لابطال الفوج و من قدم لهم الاسناد وعاش ايام صعبة جدا قلقا عليهم وتقديرا لصمودهم والتضحيات التي قدمت من اجلهم لتعزيز صمودهم وليكونوا عبرة لغيرهم بان القيادة لن تألو جهدا في انقاذهم وهذا ما حصل مع اللوء المكلف بقاطع الفاو في معركة الفاو عام 1986 الذي صمد ورفض التسليم رغم محاصرته وتجاوز قطعات العدو للمدينة … وكلفت بعد تطوعي لارشاد طائرة نقل المؤونة مي8 والنزول قبلها في ملعب الفاو الذي يتواجد به مقر اللواء باستخدام جهاز الملاحة (الدوبلر )لايصال المؤن للواء المحاصر ليلا يوم 11- 2- 1986 (وهذه رواية اخرى سياتي دورها انشاء الله تعالى).
في عام 2000 وفي لقاء لرئيس الجمهورية مع عدد من المقاتلين تم استذكار صمود هذا الفوج البطل الفوج الاول لواء 417 فاوعز الى تكريم الفوج واعادة تشكيله اعتزازا بصمود ابطاله الاحياء والشهداء
اترك تعليقك